ثقافة وفن

«خواطر في اللّيل» وأدب الشباب

| الوطن

شاب في مقتبل العمر، كان طالباً في كلية الطب بجامعة دمشق، ويستعدّ ليكون طبيباً على خطوات والديه الطبيبين، ألجأته الظروف إلى أن يتابع دراسته الطبية وتخصصه في الجامعات الألمانية، وبقي ذكاؤه وألمعيته في الحضور دوماً إلى أن فاجأني كاتباً جريئاً يدون ما يحدث له وما يستخلصه من التجارب.

خواطر في الليل

اختار التوقيت الليلي ليس من فراغ، فالليل يحمل الهدوء والسكينة والإلهام، وفي الوقت نفسه يحمل الأعباء والهموم للمهمومين الذين يمرّ الليل عليهم بطيئاً وثقيلاً، والخواطر التي خطها الكاتب الشاب مجد الأشقر تحمل الأمرين معاً، تحمل التأمل والهدوء، وتعبر عن شوق للأهل والأصدقاء والوطن، تتحدث عن السكينة، وعن القلق الذي أرغمه على سلوك طريق ما.. لذا جاءت عناوين الفصول مستوحاة من التجربة:

في الحياة، في الطموح، في الذات، في الآخرين، في السعادة، في الحب، في الحكمة، في الكلام..

وقد لفت انتباهي إلى هذا الكتاب أكثر من أمر:

– الرشاقة في تقديم الخاطرة التي لا تزيد على سطر.

– تزيينها برسوم ملونة من إعداد كاتبها.

– المزج بين ما سمعه وقرأه وصاغه في الخاطرة.

– جرأة شاب في تقديم تجربة دون أن ينتظر وقتاً طويلاً.

والنقطة الأخيرة هي الأكثر أهمية عندي، فالكتابة للأطفال يجب أن يكتبها الأطفال لا أن توجه لهم، والكتابة الشبابية يجب أن يعبر الشباب من خلالها عن أنفسهم، وهم في صميم الشباب والتجربة، وأعتقد أن الكاتب نفسه لو انتظر وقتاً ما أخرج الكتاب بهذه الطريقة، وربما يكون أكثر احترافية في التأليف، لكنه سيخضع للتجميل، ويوارب في تناول قضايا الشباب وهمومهم.

طزاجة الخاطرة ومناسبتها

– الفشل أرض بور تبنى عليها حضارة النجاح.

– كي تحلق عالياً، عليك ارتقاء قمة الجبل أولاً.

العلاقات الفاسدة كالحلوى، الإكثار منها يتلفنا من الداخل.

– المناضل من غير غاية باقٍ وسط الحشود.

– لروايات الحب محوران، زير نساء، أو رجل ذو مشاكل نفسية.

– من الكلام ليس سحراً أو شعوذة، وعلينا تعلمه للمرحلة الساحرة.

– جذور المعرفة تروى بماء التكرار.

لو قرأنا هذه العبارات التي انتقيتها فإننا سنجد أنها معروفة بمعناها ومؤداها، وتتناثر بالكتب، ولكن بصيغ أخرى ومختلفة، وفي هذه الخواطر صاغها الشاب بما عرفه من تجربة، وما مرّ به خلال المدة الزمنية التي يحياها، وهي أفكار شابة طازجة، حتى في أخطائها اللغوية القليلة التي تناسب شاباً غير عابئ بما يفعله الكتاب المحترفون، وهو ضرورة، يريد أن يقول بملء فمه وحرفه هذا أنا، هذا جيلي، هكذا نفكر.

التأسيس لكتابة جيل

بقي الكتاب اللطيف وقتاً بين يدي حتى اكتشفت أهميته، فهو بادرة جديدة لكاتب شاب لا تعنيه الثرثرة بقدر ما يعنيه أن يخاطب جيله الذي ينتمي إليه، وهذا الكاتب الذي، ربما تأثر بالحياة في الغرب، يدفع إلى آليات جديدة في التعبير عن الجيل وهمومه، بعيداً عن الوعظ والإرشاد والتوجيه الذي أثبت أنه لم يعط نتيجة في كل المراحل التربوية السابقة.

خواطر في الليل، خواطر تقرأ في ساعة لا أكثر، وتحتاج إلى أيام من التأمل في المعاني واللوحات والغايات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن