شؤون محلية

كيف نواجه الغلاء

| ميشيل خياط

لعله سؤال أغلب السوريين، وما من شك أن الإجابة المحددة عنه، من دون إنشاء وكلام معسول ولف ودوران، صعبة للغاية، لكن المثل يقول واجه المستحيل تبدأ بالانتصار عليه.

أن نبقى نراوح في المكان خطأ شديد إذ إن من لا يتقدم يتقهقر. يجب العثور على حل سريع لغلاء فاحش يحجب كثيراً جداً من الأساسيات عن الأسرة السورية، بسبب تدني أجور العاملين في الدولة والقطاع العام بشكل خاص.

بديهي أن الفكر سواء كان محمولاً على أنواع صحفية أو أجناس أدبية لا يملك خاتم سليمان، ليرفع الزير من «البير»، ويرى أستاذ الصحافة الألماني فرانز فابر في هذا المجال أن دور الفكر تطويع واستنهاض العامل الذاتي لتقليص حدة الظرف الموضوعي الصعب، إذ لا يمكن إلغاء «جيل» وهو مثال العامل الموضوعي، بجرة قلم. ظروفنا الموضوعية صعبة جداً. إن أغلب مصانعنا الكبيرة إما مدمرة وإما تحتاج إلى خطوط إنتاج جديدة، وثمة معامل حكومية قادرة على الإنتاج لكنها لا تنتج بالطاقة القصوى لافتقارها إلى الكهرباء أو التمويل لتأمين احتياجات: حديد حماة وجرارات الفرات، وتاميكو وسيرونيكس وبرادات بردى والإطارات، وسجائر حلب ومصانع غذائية ونسيجية … الخ. كلها أسيرة جمود مؤلم فهي لو عملت بالطاقة الأفضل لوفرت للدولة قوة اقتصادية هي بحاجة ماسة إليها.

والظرف الموضوعي الصعب ذاته نجده في الزراعة.

كم يحزننا أنه بسبب الاحتلال الأميركي لمناطق واسعة من الرقة والحسكة ودير الزور، فإن إنتاجنا من القطن وكنا نسميه الذهب الأبيض هو 13 ألف طن مقابل مليون وخمسين ألف طن في إحدى سنوات ما قبل الحرب ما كان يوفر البذور لإنتاج الزيت النباتي في خمسة عشر مصنعاً سورياً لهذه المادة، وفي السياق ذاته وللأسباب الموضوعية عينها، تسوقنا هذه السنة 530 ألف طن قمح مقابل 3 ملايين طن قبل الحرب واستهلاكنا السنوي حالياً 2.2 مليون طن. هذا عدا خسارتنا لنفطنا بسبب سرقة أميركا له، ما جعل الناتج المحلي السوري 35 مليار دولار مقابل 56 مليار دولار قبل الحرب الجائرة علينا. لدينا فارق كبير بين أسعار كل شيء وأجور العاملين في القطاع العام بشكل خاص، ومن المؤسف أن كثيراً من الدعوات إلى زيادة الأجور لم تلق آذاناً مصغية لدى أصحاب القرار في الحكومة، ولو فعلوا مرة كل ثلاثة أشهر لتقلصت الهوة التي باتت سحيقة بين الأجور والأسعار، ويجب أن يفعلوا.

ولكن إلى أن يتحقق ذلك – ويجب أن يتحقق – ثمة سبل إسعافية، لعل أهمها إيجاد منافذ بيع حكومية توفر السلع الأساسية، بما في ذلك الخضار وفواكه الموسم بعيداً عن أرباح الوسطاء ومن الحقل للمستهلك ومن المصنع إلى الزبائن ومن المرافئ إلى منافذ البيع مباشرة.

ولعلنا في هذا السياق نتحدث عن استيراد ما هو ضروري جداً جداً ويجب أن تضطلع بهذا الاستيراد مؤسسات الدولة المعنية، ويجب أن يكون عبر التوجه شرقاً والتعامل الواسع مع المنتجات الروسية والإيرانية، ولاسيما أن البلدين الحليفين يفضلان التعامل بالعملة الوطنية بعيداً عن الدولار.

كم يبدو مؤلماً أن نحتاج إلى أدوية كثيرة نوعية نفتقر إليها وهي موجودة في إيران المتقدمة صحياً وفي روسيا الدولة الأكثر تقدماً عالمياً.

من يرجع إلى الأرقام يجد أننا نستورد في كل عام بأربعة مليارات يورو، على حين أن مستورداتنا من إيران وروسيا هي بمئات الملايين فقط.

وهذا خطأ كبير، ولاسيما أن الصناعة في روسيا وإيران وفي كل المجالات، حققت تطوراً هائلاً، وليس ثمة ما يسوغ أن نحرم أنفسنا من هذه النعمة.

لا نجترح المعجزات وهذه الأفكار مطروحة فنفذوها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن