قضايا وآراء

تجاوز الانسداد السياسي في العراق

| أحمد ضيف الله

بعد ثلاث محاولات فاشلة، نجح المجلس النيابي العراقي في انتخاب عبد اللطيف جمال رشيد رئيساً جديداً لجمهورية العراق، متجاوزاً بذلك حالة الانسداد السياسي التي استمرت عاماً كاملاً منذ إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في الـ10 من تشرين الأول 2021، ما يمثل خطوة مهمة باتجاه تنفيذ باقي الاستحقاقات الدستورية.

تقاسم المناصب الرئاسية الثلاث الذي صار في العراق عرفاً متبعاً بعد الاحتلال الأميركي له وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة المجلس النيابي للسنّة، ورئاسة مجلس الوزراء للشيعة، لم ترد أبداً في الدستور العراقي الذي كُتب خلال الاحتلال الأميركي له.

جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد في الـ13 من تشرين الأول الجاري، مرت بسهولة ويسر، رغم كل التهديدات التي أطلقتها منصات إعلامية صدرية وتشرينية، والتخويف الذي روجت له صحف وفضائيات ومواقع الكترونية معروفة التوجه والولاء، والقذائف الصاروخية التسع التي قصفت بها المنطقة الخضراء قُبيل انعقاد الجلسة.

إعلان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الـ19 من كانون الثاني 2016، بأن «الاتفاق الاستراتيجي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني قد انتهى»، أدى إلى اختلال العُرف الذي كان سائداً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وفقاً للاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بينهما عام 2007، بأن يكون منصب رئاسة إقليم كردستان للحزب الديمقراطي الكردستاني، مقابل أن يكون منصب رئاسة جمهورية العراق لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وباختلال هذا العُرف أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني يرى أن موقع رئاسة جمهورية العراق بات من حصته، وفقاً لاستحقاقاته الانتخابية في برلمان إقليم كردستان والمجلس النيابي العراقي.

الانقسام الحاد بين الحزبين الكرديين، تعمق في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الـ2 من تشرين الأول 2018، حين فاز برهم صالح في جولة الاقتراع الثانية، بأغلبية 219 صوتاً من أصل 302 نائب حضروا الجلسة، مقابل 22 صوتاً لمنافسه فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما وسع من فجوة الخلافات بينهما على تقاسم المناصب في إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. ومنذ ذاك التاريخ تصاعدت حدة الصراعات بينهما على موقع الرئاسة الاتحادية، وباقي المواقع في إقليم كردستان. فحتى الساعات القليلة التي سبقت انعقاد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية، لم يتوصل الحزبان الكرديان الرئيسيان إلى اتفاق ‏يقضي بتقديم مرشّح واحد للمنصب، ما دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني في النهاية إلى سحب مرشحه ريبر أحمد خالد البارزاني، معلناً دعم عبد اللطيف رشيد كمرشح توافقي من داخل البيت الكردي لرئاسة الجمهورية، بينما ظل الاتحاد الوطني الكردستاني متمسكاً بمرشحه للرئاسة برهم صالح.

في جولة التصويت الثانية، انتخب عبد اللطيف رشيد رئيساً لجمهورية العراق، بأغلبية أصوات 162 نائياً من أصل أصوات 269 نائباً حضروا الجلسة، مقابل 99 صوتاً لمنافسه الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، وكلاهما من الاتحاد الوطني الكردستاني، على حين اعتبرت 8 أصوات باطلة، وكانت الجلسة النيابية قد عقدت بنصاب 277 نائباً من أصل 329 عدد أعضاء المجلس النيابي، وسط مقاطعة محدودة، من نواب «حركة امتداد» و«إشراقة تشرين» وبعض المستقلّين، التحق بهم نواب «كتلة الجيل الجديد» الكردية في الجولة الثانية من التصويت.

عبد اللطيف رشيد الذي رافق مسيرة تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في دمشق عام 1975، والممثل السابق للاتحاد الوطني الكردستاني في لندن في تسعينيات القرن الماضي، ووزير الموارد المائية الأسبق، والمستشار الأقدم للرئيس الراحل جلال الطالباني، وعديله، سرعان ما كلف مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة فور أدائه اليمين الدستورية.

رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، قال في بيان له بعد انتهاء جلسة الانتخاب: «أخيراً فاز حزبكم الاتحاد الوطني الكردستاني في العملية السياسية في العراق، وعلى الرغم من جميع المؤامرات والمآرب لم يتم النيل من إرادته وقد أصرّ على قراره الوطني»، معتبراً أن «نيل ثقة مجلس النواب العراقي وانتخاب السياسي ومناضل بدايات تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني عبد اللطيف رشيد رئيساً لجمهورية العراق الاتحادي كان انتصاراً لإرادة الشعب والعملية السياسية والاتحاد الوطني».

الظروف الدولية التي تدفع الولايات المتحدة إلى تجنّب المشاكل في مناطق النفط، كان لها دور مهم في تذليل عقبات انتخاب الرئيس الجديد لجمهورية العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بسحب مرشحه ريبر أحمد خالد البارزاني وزير داخلية إقليم كردستان، كان يدرك مسبقاً أنه من المستحيل أن يصوت النواب العراقيون له كرئيس لجمهورية العراق، في ظل ما يتردد عن أنه أحد قنوات الاتصال بين مسعود البارزاني وإسرائيل، فالذاكرة العراقية العربية الجماعية ما زالت تنظر إلى آل البارزاني وحزبهم على أنهم انفصاليون يسعون إلى تقسيم العراق وتفتيت أراضيه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن