قضايا وآراء

جيش الاحتلال وطريقه المسدود أمام المقاومة

| تحسين الحلبي

يبدو أن عدداً من المحللين والخبراء الإسرائيليين الذين اعتادوا متابعة تطورات عمليات الاشتباك المسلح المباشر بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، بدأ يميل في تحليله إلى الاعتراف بعجز الكيان الإسرائيلي وقوات جيشه عن «ترويض الفلسطينيين» و«إخماد مقاومتهم» والتخلص من انتفاضاتهم المتنوعة طوال العقود الماضية، وهذا ما تؤكده الباحثة الإسرائيلية أريئلا رينغ هوفمان في تحليلها في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أول من أمس حين تعترف أن «موجات الاشتباكات المسلحة التي يواجه بها الفلسطينيون في الضفة الغربية الجيش الإسرائيلي لم تبدأ الآن بل ظهرت منذ سنوات وتصاعدت، ولم ينجح الجيش بإخماد نارها ولن ينجح إلا بالتوصل إلى حل شامل يقبل به الفلسطينيون».

ولا شك أن هذا الاعتراف يثبت أن الفلسطينيين تمكنوا تاريخياً من إحباط كل ما وضعته قوات الاحتلال وقيادتها السياسية من خطط عسكرية وأمنية وقمع وحشي منذ احتلالها لبقية الأراضي الفلسطينية عام 1967 حتى هذه اللحظة، بل إن الباحثة الإسرائيلية تشير إلى أن الفلسطينيين لم يتوقفوا خلال 55 عاماً عن الاستمرار بعملياتهم ضد الجيش الإسرائيلي والاستيطان وتقارن بين احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 وانتهاء ضمها للسيادة الفرنسية خلال حرب طويلة شنها الشعب الجزائري وبلغت أوجها في الخمسينيات من القرن الماضي، رغم وجود ما يزيد على مليون ونصف المليون من المستوطنين الفرنسيين، وتعترف أن فرنسا حاولت إغراء الجزائريين بمصالح اقتصادية ولم تنفع معهم هذه الحلول ولا الحل الذي وضعه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول عام 1959 للحكم الذاتي وتقول: إن «هذا العرض الفرنسي بالحكم الذاتي تبعه تصعيد هائل باستهداف الجيش الفرنسي وفرض على فرنسا الانسحاب»، ثم التخلي عن استعمارها للجزائر.

وبغض النظر عن طبيعة هذه المقارنة كانت الجزائر عند استعمار فرنسا لها عام 1830 يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين بينما كان الطرف المستعمر لديه ثلاثون مليون فرنسي في ذلك العام، وكان باستطاعته نشر مليونين من الجنود ناهيك عن المستوطنين الفرنسيين، بينما يقف أمام إسرائيل الآن على مساحة كل أراضي فلسطين، ما يزيد على سبعة ملايين من الفلسطينيين يواجهون طوال 55 عاماً جيش الاحتلال والمستوطنين وتمكنوا من تحرير قطاع غزة، وإعداد بنيته العسكرية الصاروخية على شكل جبهة مقاومة على أرض فلسطين، وما زالوا يصرون على المقاومة وينشرون عملياتها بكل الأشكال التي تؤكد أنهم يريدون دحر الاحتلال مهما بلغت التضحيات، ولذلك تعترف الباحثة الإسرائيلية بأنه «حتى الفلسطينيون الذين كانوا يأتون للعمل داخل الخط الأخضر، لم يتوقفوا عن كراهية الإسرائيليين، ولا حل الآن إلا بإيجاد حل شامل يفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين ويقبلون به».

تعرف هوفمان أن بعض الفلسطينيين كان يستغل هذا العمل، لكي ينفذ عمليات مسلحة، ولذلك تقول إن الإغراءات الاقتصادية لم توقف عملياتهم في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر الذي يفصل الضفة عن الكيان الإسرائيلي.

تقارن الباحثة الإسرائيلية هوفمان بين السور الذي قامت فرنسا ببنائه على حدود تونس في الخمسينيات من القرن الماضي، لكي تمنع تهريب السلاح إلى المقاومة الجزائرية وعدم جدواه، علماً أن الملايين السبعة من الفلسطينيين في داخل فلسطين محاصرون من كل مكان بأسوار داخل الضفة وبطرق التفافية بين قراهم ومدنهم منذ أكثر من عشرين عاماً، ورغم ذلك الحصار يقاومون بأسلحة نارية وبحجارة وسكاكين وصواريخ ومسيرات ويجترحون المعجزات في مقاومة الاحتلال ويحققون إنجازات زعزعت أهم أسس المشروع الصهيوني التي تعتمد على هجرة اليهود من الخارج لزيادة القوة البشرية في الجيش ومنع الهجرة العكسية من داخل الكيان إلى الخارج، فالمقاومة وموجات الاشتباك لم تعد تشجع اليهود في الخارج على الهجرة للكيان، وزادت بالمقابل عدد الذين ينفذون هجرة معاكسة إلى الخارج فأصبحوا مليونين تقريباً، ولولا هذه المقاومة لأصبح عدد الإسرائيليين في الكيان وفي الأراضي المحتلة منذ عام 1967 يزيد على تسعة ملايين بموجب تقديرات وزارة الهجرة الإسرائيلية واستيعاب المهاجرين.

ومثلما أجبرت المقاومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون في عام 2005 على الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مستوطناته من القطاع دون قيد أو شرط، لا بد لموجات الاشتباك المسلح ضد جيش الاحتلال واستمرار المقاومة، أن تقود إلى النتيجة نفسها التي حققها الفلسطينيون في قطاع غزة، وهذا ما يتوقعه بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين والكثيرون من المحللين السياسيين في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن