قضايا وآراء

العالم يواجه أزمة فوق أزمة.. والإنسان الضحية

| الدكتور قحطان السيوفي

آفاق الاقتصاد العالمي ليست متألقة وتزداد قتامة، وبلغ عدم اليقين ارتفاعاً استثنائياً، ولا يزال العالم يواجه أزمة فوق أزمة.

فجائحة كورونا قلبت حياة الناس واقتصادات العالم رأساً على عقب، ولم تنته بعد.

وجاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لتؤثر مباشرة في نمو الاقتصاد العالمي، ووقع تأثيرها الأشد في الفئات الأكثر ضعفا في العالم.

فمئات الملايين من الأسر كانت تعاني بالفعل من وطأة انخفاض الدخل وارتفاع أسعار منتجات الطاقة والغذاء، وجاءت الحرب لتفاقم من هذه المعاناة ويمكن تشبيه الاقتصاد العالمي بسفينة تبحر وسط أمواج عاتية.

في أقل من ثلاثة أعوام، عاش العالم صدمة تلو صدمة.

أولاً، كورونا، ثم جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتلتها كوارث مناخية في القارات كلها، وألحقت هذه الصدمات ضرراً يفوق الحصر بحياة الناس.

ارتفعت أسعار الغذاء والطاقة، وأزمة في تكلفة المعيشة، يضاف لذلك التشرذم الجغرافي ــ السياسي، مع درجة أكبر من عدم اليقين، ومواجهات جغرافية- سياسية، وكوارث طبيعية أكثر تواتراً وتدميراً.

وللمرة الأولى منذ أعوام عديدة، أصبح التضخم خطراً حقيقياً في اقتصادات العالم.

التضخم يشكل تهديدا للاستقرار المالي وضريبة على المواطنين العاديين الذي يكافحون لسد احتياجاتهم الأساسية.

وفي كثير من الدول، أصبح التضخم مصدر قلق مركزياً، كما أن مخاطر الركود في ازدياد.

وباللغة الاقتصادية يمكن القول، إن النمو انخفض والتضخم ارتفع.

وباللغة الإنسانية نقول إن دخول الناس انخفضت ومتاعبهم في ازدياد والدول التي يمثل اقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي، ستعاني انكماشا اقتصاديا يمتد لربعين متعاقبين على الأقل من العام المقبل.

بالمقابل ثمة مخاطرة أخرى رافقت هذه الأزمة المزدوجة- الجائحة والحرب، وهي تشتت الاقتصاد العالمي في شكل كتل جغرافية سياسية، تختلف في معاييرها التجارية والتكنولوجية، ونظم دفعها وعملاتها الاحتياطية.

إن انعدام الأمن الغذائي مصدر للقلق البالغ، فالبديل قاتم، مزيد من الجوع والفقر والقلاقل الاجتماعية خاصة بالنسبة إلى الدول النامية والفقيرة.

كيف يمكن لصناع السياسات كبح جماح التضخم المرتفع والدين المتزايد؟

لقد كنا نقول إن «المستقبل رقمي»، ونقول الآن إن المستقبل جاء وجلب معه مصادر جديدة للإنتاجية والنمو والوظائف.

الصدمات المتعددة، ومن بينها وقوع حرب، غيرت المشهد الاقتصادي بالكامل.

فقد أصاب التباطؤ كل اقتصادات العالم الكبرى، فمنطقة اليورو تأثرت بشدة من جراء انخفاض إمدادات الغاز من روسيا، والولايات المتحدة تشهد تباطؤا في الزخم، إذ يؤدي التضخم إلى تراجع الدخل المتاح للإنفاق والطلب الاستهلاكي، ويشكل ارتفاع أسعار الفائدة عبئا على الاستثمار.

نتوقع مزيدا من التخفيض للنمو العالمي بالنسبة إلى 2022 و2023.

فسيسهم تأثير الحرب في تخفيض تنبؤات 143 اقتصادا هذا العام، أي ما يمثل 86 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي كما نتوقع خسارة في الناتج العالمي بقيمة أربعة تريليونات دولار تقريباً في الفترة من الآن حتى 2026.

ويعادل هذا حجم الاقتصاد الألماني، ومن الأرجح أن الأمور ستزداد سوءاً.

فما زالت مستويات عدم اليقين مرتفعة للغاية في سياق الحرب والجائحة، ولمواجهة مشكلة أزمة الغذاء يجب أن تكثف الجهود والعمل لمساندة أصحاب الاحتياجات العاجلة، ورفع القيود المفروضة على التصدير، وتشجيع الإنتاج الغذائي، والاستثمار في الزراعة القادرة على تحمل تغير المناخ المهمة الأكثر إلحاحاً، والعمل للتخفيف من أزمة تكلفة المعيشة، التي تدفع 71 مليون نسمة آخرين من سكان أفقر بلدان العالم إلى هوة الفقر المدقع، طبقا لما أعلنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي ظل هذه البيئة الاقتصادية الصعبة، يحتاج كثير من الدول أيضاً إلى المساعدة على التعامل مع الدين الذي يمثل تحديا للعالم النامي.

أكثر من 60 في المئة من الدول منخفضة الدخل بلغت مستوى المديونية الحرجة ونحن بحاجة أيضاً إلى تعاون أقوى بكثير لمعالجة الخطر الوجودي الذي يهدد الإنسانية، ألا وهو تغير المناخ.

فبإمكاننا النجاة من التضخم، ومن مشكلة الركود، لكن لا يمكننا النجاة من أزمة مناخية خارج السيطرة، في الأزمة البيئية، تتحد قوى الطبيعة مع الحماقة البشرية.

يجب على صناع السياسات مواصلة التركيز على التحول الأخضر والثورة الرقمية.

فإن الخطر الذي يتهدد العالم لن يتلاشى، بل يزداد سوءاً، ويجب تخفيف آثار التغير المناخي في كل مكان، والتكيف معه في عالم يؤدي فيه قيام حرب في أوروبا إلى السقوط في براثن الجوع في إفريقيا.

إننا نمر اليوم في وضع حيث يمكن لجائحة كورونا أن تضرب المعمورة في غضون أيام وتتردد أصداؤها طوال أعوام، وحيث يعني وجود الانبعاثات ارتفاع مستويات البحار في كل مكان، هذا العالم الذي يواجه أزمة تلو أزمة، والإنسان هو الضحية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن