لا نغالي كثيراً إذا قلنا إن السلة السورية تمر في مرحلة حرجة وخاصة بعد مسرحية استقالة رئيس الاتحاد وأمين سره التي ساهمت في تفاقم أمراض وأوجاع سلتنا الوطنية لأنها حملت في مجرياتها الكثير من المهازل وأحدثت فراغاً فنياً امتد لقرابة الشهر كان الأولى من الاتحاد بدلاً من استعراض فصول مسرحيته المكشوفة والمفضوحة كان عليه لملمة أوراق اللعبة والعمل على إعادة ترتيبها بعد سلسلة من الخسارات القاسية التي منيت بها منتخباتنا الوطنية في عهده الميمون.
المنطق السليم
بعيداً عن هذه المسرحية التي سنأتي للحديث عنها في أعدادنا المقبلة، تعلمنا منذ الصغر في أديباتنا أن المنطق السليم لا يسمح لك ببحث النتيجة بعيداً عن أسبابها، كما أن الحس السليم يصر على أن تضع الحصان أمام العربة، إذا كنت تريد الوصول إلى هدفك في نهاية الطريق، حلمنا بدخول الاحتراف على سلتنا والحمد لله تحقق، ولكننا لم نستطع أن نحلم بالأفضل، لأننا كسرنا قاعدة التطلع، وبدأنا نطلق الآهات على أيام الهواية، واسمحوا لي أن أسميها أيام تخلفنا الرياضي، عندما كنا نلهث بأقدام هاوية وراء كرة لا تملك من مقومات حضورها أكثر من الهواء الذي يحشو جوفها، والحب الذي يكنه لها أبناؤها، والسؤال هنا الذي لم نجد له إجابة شافية، ماذا فعل فينا الاحتراف؟ أعطونا نادياً واحداً لم تثقله الأعباء المالية، اذكروا اسم لاعب لم يعلن تمرده في ناديه بسبب فهمه الخاطئ للاحتراف، أشيروا لنا إلى فريق حافظ على مستواه لموسمين متتاليين بعد دخول الاحتراف، والإجابات حتماً ستكون صفراً لأننا مازلنا نفتقد النضج السلوي، وبأننا لم نتخلص من أميتنا السلوية، وبأن العديد من عناصر اللعبة يفتقد أبجديات اللعبة.
منتخبات في مهب الريح
تمر منتخبات السلة منذ سنوات طويلة في ظروف صعبة متعلق جلها بأخطاء متراكمة من الاتحادات المتعاقبة على اللعبة، والتي ساهمت في غياب أهم مقومات تطوير عمل هذه المنتخبات، ونتائجها على الصعيدين العربي والقاري، وقد حاول الاتحاد الحالي تجميل الصورة، لكن يبدو أن محاولات العطار لن تصلح ما أفسده الدهر، فواقع منتخبات السلة لا يبشر بالخير، وخاصة بعد الأزمة التي تشهدها البلاد، حيث كان لها تأثير سلبي على طريقة الإعداد وتوفير الإمكانات المادية المتاحة، فبقيت هذه المنتخبات ومشاركاتها تدور في دائرة مغلقة من دون أن يكون هناك بصيص أمل للخروج من عنق الزجاجة التي وجدت نفسها فيها.
علامة الصفر
نجحت القيادة الرياضية في توفير كل الإمكانات المادية لاتحاد كرة السلة، وعلى مبدأ( اطلب واتمنى) وما كان حلماً بات واقعاً وأمنت له كل شيء باستثناء لبن العصفور، ومع ذلك لم يكن الحصاد مثمراً وجاءت النتائج فجة وغير موازية لحجم العطاء، لذلك لابد أن نمر سريعاً على معطيات الفشل في إعداد المنتخبات الوطنية، بداية الاتحاد الحالي يفتقر إلى الفنيين وبعض أعضائه ليسوا رياضيين، ما جعله يحلق بأجنحة غير فنية، إضافة لحالة التفرد الواضحة بالقرارات الخاصة بإعداد المنتخبات، فكانت النتيجة سقوطه في أكثر من محطة قارية وآسيوية ومنيت منتخباتنا بخسارات كانت أشد إيلاماً، فالخسارة واردة إلا أن محطات التقييم بعد كل بطولة لم تكن ناجحة لدى الاتحاد الحالي وكان هناك غموض وضبابية لا تتناسب مع الشعارات التي أطلقها الاتحاد منذ توليه لمهامه، فظروف الإعداد تغيرت وطرق الإعداد البدائية باتت من الماضي والمعسكرات الخارجية توفرت، واللاعبون وجدنا الأفضل، لكن بالمقابل ازدادت الحجج والأعذار وتعددت الأسباب والموت واحد.
ومع كل هذه التغييرات الإيجابية غير أن نتائج منتخباتنا لم تتغير، ولم تتطور لا بل تراجعت إلى حد الهاوية رغم وجود مجموعة من المدربين الأجانب لكنهم دخلوا في متاهة وأدخلوا منتخبنا معهم نتيجة عدم وجود مساءلة فنية وتقييم صحيح لعملهم.
ولم يدرك الاتحاد حقيقة أنه في حال أراد البناء المتين لن يستطيع استبدال التراب بالإسمنت، ولا الحديد بالبلاستيك، والأفضل في حال عدم وضوح الرؤية ألا نبني أبداً إذا كانت مقومات البناء غير متوافرة أيضاً، وغير موجودة، وهذا ما ينطبق على منتخبات السلة في الفترة الحالية، فالأفضل لاتحاد السلة أن يعلنها على الملأ، ويقدم اعتذاره عن المشاركات الخارجية لمنتخباته، فذلك أفضل بكثير من المشاركة بعناوين قاتمة لا يمكن أن تبشر بغد مشرق، ونتائج جيدة لمنتخباتنا الوطنية.
خلاصة
لم نتخيل في يوم من الأيام أن يصبح المريض طبيباً ليسأل عن طريقة علاجه، ولا أن يكون الداء هو المفوض باختراع الدواء للخلاص والبراء منه، ولمن يظن بأن الفساد هو فساد الرشوة والاختلاس والمصالح الشخصية فهو واهم، فالوجه الآخر للفساد هو تولية الأمور لغير أهلها.