استغاثت سيدة سورية من دمشق، بجريدتنا «الوطن» خائفة على حديقة الطلائع العريقة بدمشق المزة من غول سيلتهمها سمته مرآب السيارات، وهي تظن أن إغلاقها لفترة طويلة، لعبة خبيثة تتوق إلى يباس أشجارها وتصحرها وتسهيل تحويلها إلى مرآب للسيارات يخدم مراجعي وزارة العدل.
ومثلنا جميعاً ترى تلك السيدة أن الحدائق رئات المدن وأن دورها تعاظم الآن في ظل التبدلات المناخية الحادة المائلة نحو الحر الشديد، وأنها متنفس حيوي جداً الآن أكثر من أي وقت مضى، بسبب الغلاء الفاحش للمساحات المأجورة المخصصة لألعاب الأطفال ولهوهم. ونضيف على كلامها إننا نتوق أن تتحول هذه الحديقة (الكبيرة جداً إذ تبلغ مساحتها 42000 م٢)، إلى غابة غناء وأن تتحول الـ175 حديقة عامة في دمشق إلى غابات غناء كثيفة جداً بعدما أصر أعداء الشجر والبيئة على كسر الشجيرات الفتية التي تزرع على أطراف الأرصفة وبعدما يبست أو تكسرت الكثير من أشجار دمشق، تلك المدينة التي لقبت بالفيحاء، فغدت للأسف أشبه بصحراء ولاسيما أنها فقدت أجزاء واسعة من غوطتيها لأسباب معروفة (الحرب الجائرة على سورية).
لم يحفزنا كلامها وحسب بل استفزنا، وهرعنا نستفسر، فقيل لنا في منظمة طلائع البعث، إنها الآن في عهدة محافظة دمشق ولم يعد لها علاقة باسمها، وأصر المهندس سومر فرفور مدير حدائق دمشق، قبل الحديث عنها بالذات أن يوضح لنا قصة مرائب الحدائق التي ما تزال أفكاراً لم تنفذ بعد.
يصر في سياق الإيضاح أن المرآب تحت أي حديقة ليس إلغاء للحديقة بل إغناء لها، حسب دفتر شروط يحدد سماكة التراب ونوع الأشجار وعددها، ومدة التنفيذ وهي ستة أشهر. وأن هناك مشاريع تطوير وتأهيل لعدة حدائق في دمشق لإحداث مرائب سيارات طابقية فيها ومولات تحت الأرض، تساهم في تقليص حدة الازدحام في العاصمة، من دون المساس بجوهر الحدائق كمساحات خضراء ومتنفس حيوي موجود على الأرض ومحمي بقوة القانون.
وفهمنا من الحوار معه أن حديقة الطلائع بالذات لن تبقى مغلقة وأنها ستكون قريباً قيد الإنجاز (سواء عبر افتتاحها مجدداً أم إنشاء مشروع فيها). ولفت انتباهنا تأكيده أنه لن يسمح لأي مستثمر بأبنية فوق أرض أي حديقة تتجاوز الـ5 بالمئة من مساحتها للخدمات الإدارية، وسيقود الاستثمار إلى توفير الطاقة الكهربائية من الخلايا الكهرضوئية لإنارة الحديقة وتشغيل المرآب وإنارة الساحات والشوارع القريبة، وتجميل المنطقة بشكل عام.
إذن يا هلا بمثل هذا الاستثمار، ضمن شروط صارمة، أهمها:التنفيذ في الوقت المحدد (آخذين بعين النظر أن المتعهدين أبقوا حديقة السبكي خرابة خمس سنوات إلى أن أعيد تأهيلها على يد مهندسي وعمال وآليات محافظة دمشق).
وقال مدير الحدائق: إن المحافظة اتعظت وأن العقود ستكون محكمة ومن دون ثغرات وأن صفحة جديدة قد فتحت مع تطوير الشام.
لا أخفي عليكم أنني سمعت مثل هذا الكلام منذ عامين، ولا أدري سر تلكؤ المستثمرين في الإقبال على هذه المشاريع (بالتهافت)، ربما لتحقيق مكاسب أكبر (يجب عدم السماح بها) وأرى أن يتم النقاش على أوسع مستوى، فما من شك أن مثل هذه المشاريع رابحة جداً، وكنزها الحقيقي هو في ثمن الأرض. يجب أن يعرف الجميع ما المطلوب من المستثمر، وأن تؤخذ نسب التضخم المرتفعة بعين النظر، وأن يتم تحديد مدة زمنية يصبح الاستثمار بعدها لمصلحة الدولة السورية 100 بالمئة.
وأنا أميل إلى قيام المحافظة بإنجاز المشروع الأول من هذا النوع بآلياتها وبالاقتراض من المصارف ومن المواطنين عبر شركة مساهمة، لتقدم نموذجاً يحتذى به سواء لدمشق أم باقي المحافظات.
والمهم أن يبدأ العمل وأن يلمس السكان إنجازات، وأن تفتح الحدائق المغلقة ولاسيما أن دمشق هي أفقر مدن العالم بالحدائق وأن لكل فرد فيها نصف متر مربع حدائق مقابل مقياس عالمي هو 30م٢ لكل نسمة في العالم.