عربي ودولي

نفوذ الدوائر المالية البريطانية وضعف أداء تراس السياسي سرّعا باستقالتها … الحمروني لـ«الوطن»: أوروبا ستمر باضطرابات إلى حين إنهاء مرحلة القطبية الواحدة

| منذر عيد

أكد الأستاذ في الجغرافيا السياسية في أكاديمية العلوم السياسية في باريس عماد الدين الحمروني، أن الخلافات الكبيرة داخل حزب المحافظين ودوائر المال البريطانية عجلت باستقالة رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، موضحاً أن دولاً مثل ألمانيا تعاني من اقتصاد هش وفرنسا مهددة أيضاً بتحولات واضطرابات سياسية واجتماعية حادة، مشدداً على أن اليمين القومي في أوروبا هو صناعة جهات أميركية، وواشنطن تعمل على تقوية صعود اليمين القومي أو «المتطرف» للحكم في فرنسا ودول الشمال الأوروبي، وأهم مثال عودة الفاشية الجديدة إلى حكم ايطاليا، مشيراً إلى أن أوروبا ستمر بحروب واضطرابات متعددة، لحين إنهاء مرحلة القطبية الواحدة وبناء عالم متعدد الأقطاب، والوصول إلى هذه المرحلة التاريخية الجديدة.

وفي تصريح لـ«الوطن» أمس عبر تطبيق «واتساب» قال الحمروني: «بعد فقط 44 يوماً استقالت السيدة ليزا تراس من رئاسة حزب المحافظين لتنتهي بذلك أقصر فترة لرئيس وزراء بريطاني في تاريخ المملكة المتحدة بعد إخفاق مشروعها الاقتصادي والمالي».

وأوضح أن خلافات كبيرة داخل حزب المحافظين ودوائر المال البريطانية عجلت بهذه الاستقالة بعد قرارات تراس حول الإصلاح الضريبي التي أضرت بقيمة الجنيه الإسترليني، وخفضت قيمة الأسهم لدى أهم الشركات، مشيراً إلى أن النفوذ الكبير للدوائر المالية ببريطانيا وضعف الأداء السياسي لتراس سرّعا باستقالتها.

وأكد الحمروني أن دولاً مثل ألمانيا وفرنسا مهددة أيضاً بتحولات، واضطرابات سياسية واجتماعية حادة، مشيراً إلى أن الاقتصاد الألماني في وضع هش، مع تزايد الحاجة للإنفاق العسكري وارتفاع الأسعار في سوق الطاقة وتزايد الخلافات مع باقي الدول الأوروبية وخاصة فرنسا حول الحلول لمواجهة التضخم وغلاء أسعار الطاقة وتسليح وتمويل الجهد الحربي للحكومة الأوكرانية.

وقال: «الوضع الفرنسي أحسن بقليل من ألمانيا لكن سيتأثر على المدى المتوسط إذا استمرت الحرب في أوكرانيا، مع وجود أزمة سياسية حادة ربما ستضطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى حل البرلمان أو تغيير رئاسة الحكومة».

وبين الحمروني أن الدول الأوروبية لن تصمد اقتصادياً لوقت طويل إذا استمرت الحرب أو امتدت إلى خارج أوكرانيا، وبقيت تحت هيمنة القرارات الأميركية الضاغطة، رغم محاولات الجانب الفرنسي وحتى الألماني بشأن تشجيع المفاوضات مع الجانب الروسي.

وأشار إلى أنه من الواضح أن الحرب في أوكرانيا تخدم مصالح جهات أميركية، وقرارات البيت الأبيض والكونغرس تظهر ذلك جلياً، حيث يحاول الحزب الديمقراطي استعمالها لمصلحته في الانتخابات النصفية القادمة، قائلاً: «عندما نراقب تصريحات الخارجية الأميركية وأيضاً وزارة الدفاع وقرارات الكونغرس بمضاعفة التمويل والتسليح لأوكرانيا، ودول البلطيق نفهم بأنهم يريدون استنزاف الجيش الروسي من جهة، وأضعاف اقتصادات الدول الأوروبية من جهة أخرى، وذلك لتقوية الهيمنة الأميركية اقتصادياً ومالياً وعسكرياً على أوروبا، لتقليل وارداتها من الصين من جهة، وتقوية صعود اليمين القومي أو «المتطرف» للحكم في فرنسا ودول الشمال الأوروبي، وأهم مثال هو عودة الفاشية الجديدة إلى الحكم في إيطاليا، المتمثلة في السيدة جيورجيا ميلوني وحزبها إخوة إيطاليا».

وأوضح الحمروني أن اليمين القومي في أوروبا هو صناعة جهات أميركية، وإن ظهرت في ثنايا خطابه دفاعه عن الاستقلال والسيادة، وبين أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا اليوم ليست نتيجة الحرب في أوكرانيا فقط بل تراكمات لأكثر من ثلاثة عقود، وزادت أزمة وباء «كورونا»، والآن الحرب الروسية-الأوكرانية من تسريع مضاعفاتها التي من المؤكد أنها ستتفاقم، مع إصرار قوى عالمية صاعدة مثل الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والهند، على إنهاء مرحلة القطبية الواحدة وبناء عالم متعدد الأقطاب، وفي انتظار الوصول إلى هذه المرحلة التاريخية الجديدة ستمر أوروبا بحروب واضطرابات متعددة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن