أطفالنا في سوق العمل القاسي!! … نبهان لـ«الوطن»: تطوير أنظمة عمل لرصد احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً … أستاذة جامعية: عشرات الآلاف من الأطفال في مختلف المناطق السورية يمتهنون مهناً مصنفة دولياً بالقاسية
| محمد راكان مصطفى
افترشت الطفلة أحلام وأمها الأرض يوضبان حصيلة أكياسهما، وأخوها يبحث عما يمكن اغتنامه من الحاوية، وعلى حافة حاوية أخرى وقف صغير ارتسمت بسمة حزينة على شفاهه متناسياً ثقل حمل كيسه الذي اعتلى ظهره موزعاً نظراته بين الأطفال المتجهين إلى مدارسهم..، أعداد كبيرة من الأطفال يمكن لحظهم في طرقات دمشق ممن غادروا مقاعد الدراسة بهدف التماس مصدر للرزق يعينهم على الحياة، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر لمستقبل جيل بأكمله، فمن سلم منهم من تبعات الحرب لم يسلم من تبعات الفقر، ما يضع الحكومة والمجتمع الأهلي أمام مسؤولية لا يمكن تجاهلها أو تسويف الحلول لها.
وللوقوف على وجهة النظر الحكومية حول تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في مجالات سيئة (مثل نبش القمامة ومسح السيارات على الإشارات وغيرها) أكد معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد فراس نبهان أن هذه الظاهرة تعتبر بشكل عام من أهم المشكلات الاجتماعية التي تواجه المجتمعات وتعود لعدة أسباب أهمها الفقر والحاجة وغياب المعيل والتفكك الأسري في بعض الحالات إضافة للتسرب المدرسي، مضيفاً: ولا يخفى على أحد الآثار النفسية والجسدية السيئة التي تصيب الطفل العامل جراء هذه الأعمال.
وقال في تصريح لـ«الوطن»: في هذا الإطار تعمل الوزارة على معالجة هذه الظاهرة بشقيها القانوني والاجتماعي بالتوازي معاً، فمن الناحية القانونية صدر قانون حقوق الطفل رقم 21 لعام 2021، والذي تضمن معالجة ظاهرة عمل الأطفال.
تندرج تحت باب التسول
وأوضح معاون الوزير أن ظاهرة وجود أطفال على إشارات المرور أو في الطرقات يندرج تحت باب التسول، وفي هذا الخصوص اتخذت الوزارة عدداً من الإجراءات بالتعاون مع وزارات الداخلية والعدل والسياحة وعدد من الجمعيات الخيرية ذات الصلة، عبر وضع آلية للحد منها حيث يتم من خلالها الإبلاغ، إذ تقوم وزارة الداخلية من خلال قيادات الشرطة في المحافظات بتخصيص أرقام ثلاثية ساخنة للإبلاغ عن أي حالة تسول من المواطنين ومكان وجود الحالة، ليتم ضبطها حيث يتم إبلاغ الدوريات والتوجه للمنطقة وضبط الحالة وإيداعها لدى أقرب قسم شرطة، ومن ثم الإحالة والمعالجة القضائية حيث تقوم غرفة العمليات بإعلام مكتب مكافحة التسول بوزارة الشؤون يومياً صباحاً وتزويدهم بعدد الحالات المضبوطة، ويقوم مكتب مكافحة التسول بدوره بجمع الحالات ومتابعة الإجراءات القانونية ذات الصلة وعرضها على المحامي العام.
وأوضح أن الجهات القضائية تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية وإحالتهم حسب الحالة والفئة العمرية والجنس إلى دور الرعاية والتأهيل الخاصة بهم والتي تدار من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو الجمعيات الأهلية وبالتنسيق مع وزارة العدل.
تعاون دولي
وأشار نبهان إلى أن الوزارة تعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية على حماية حقوق الطفل عبر العديد من المجالات، ويتم بالتنسيق معها لتأهيل وتحسين جودة الخدمات المقدمة في المراكز المتخصصة والتي تمثل البنية التحتية لعمل الوزارة والوصول بخدماتها إلى الشرائح الأكثر ضعفاً ولاسيما النساء والأطفال والمسنين وذوي الإعاقة (معاهد الرعاية التابعة للوزارة ووحدات الصناعة الريفية ومراكز التنمية الريفية)، وتنفيذ العديد من البرامج في مجال حماية الطفل والأسرة وتعزيز مشاركة اليافعين بالشراكة مع المنظمات الدولية ذات الصلة والجمعيات الأهلية.
نبهان بين أن الوزارة عملت على تطوير أنظمة عمل لرصد احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً ولاسيما الأطفال والمسنين وذوي الإعاقة حيث اعتمدت سورية في عام 2015 وثيقة الرصد والإبلاغ والإحالة للفئات الأكثر هشاشة، ويتم الإفادة من الدعم التقني من المنظمات الدولية العاملة بالتعاون مع الوزارة ومنها منظمة اليونيسيف لتطوير نظام إدارة الحالة حيث بدأ التطبيق التجريبي لنظام إدارة الحالة للأطفال في عام 2021، وسيتم العمل على توسيعه لاحقاً ليشمل النساء والفئات الأخرى الأكثر ضعفاً التي تعنى بها الوزارة ولاسيما المسنين وذوي الإعاقة.
نبهان أشار إلى أن الوزارة عملت على توجيه برامج التعاون مع المنظمات الدولية في مجال الحماية الاجتماعية لتنفيذ برامج استهدافية خاصة للأطفال من ذوي الإعاقة وأسرهم وفي هذا السياق يتم منذ عام 2018 ولغاية تاريخه تنفيذ مشروع للمعونة النقدية لأسر الأطفال من ذوي الإعاقات المعقدة بحسب التصنيف الوطني للإعاقة بالتعاون مع منظمة اليونيسيف لدعم تعافي هذه الأسر وقدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية لهؤلاء الأطفال، حيث بلغ عدد الأطفال المستفيدين من هذا البرنامج لغاية نهاية العام 2021 ما يقرب من 30 ألف طفل.
وفي إطار دعم وبناء قدرات اليافعين بين أن الوزارة أطلقت العمل بمشروع «مساراتي» ضمن عدد من مراكز التنمية الريفية في المحافظات بتمويل من منظمة اليونيسيف لتنفيذ أنشطة بناء قدرات في مجال المهارات الحياتية والتأهيل المهني لبناء قدرات 6000 من الفتيان والفتيات الأكثر ضعفاً.
مهن قاسية
الدكتورة منى كشيك رئيس قسم أصول التربية في كلية التربية في جامعة دمشق رأت أنه وعلى الرغم من إبرام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مذكرتي تفاهم مع منظمة العفو الدولية قبل أكثر من ٣ سنوات بالالتزام للحد من ظاهرة عمل الأطفال في سورية ومكافحتها إلا أنه ما يزال هناك عشرات الآلاف من الذين تقل أعمارهم عن ١٥-١٨سنة في مختلف المناطق السورية يعيشون في ظروف صعبة ويمتهنون مهناً تصفها المنظمة الدولية بالقاسية.
ولفتت الدكتورة كشيك في حديثها لـ«الوطن» إلى وجود آلاف الأطفال يعملون في مهن متعددة بدءاً من أعمال البناء (نقل رمل- حمل بلوك….) الصعبة إلى ورشات للخياطة وصيانة السيارات وغسيل السيارات إلى جانب غيرها من المهن التي تتطلب جهداً عضلياً يزيد على طاقاتهم وقدراتهم الجسدية.
وتابعت كشيك قائلة: مع أن عمالة الأطفال في سورية ليست ظاهرة جديدة لكنها قبل الحرب كانت تقتصر على فصل الصيف بعد أن تغلق المدارس أبوابها، فكان أغلب الأطفال يلتحقون بأعمال مؤقتة في ورش عمل قريبة من بيوتهم لكسب بعض المال وتعلم مهنة جديدة إلى حين بدء العام الدراسي فيواصلون تعليمهم إلا أن هذا الأمر تغير تماماً بعد الحرب التي تعرضت لها سورية والتي أرغمت الآلاف من الأطفال على ترك مقاعد الدراسة لإعالة أسرهم.
تقارير أممية
وأشارت إلى تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» التي بينت أن ٩٠ بالمئة من الأطفال في سورية يستحقون الدعم بعد ١٢ سنة من الحرب واصفة عمالة الأطفال على أنها مشكلة واسعة الانتشار وأكثرها تعقيداً من بين مشكلات حماية الطفل، مشيرة إلى أنه ورد في تقرير المنظمة الدولية أيضاً أن نحو 2.45 مليون طفل في داخل سورية و٧٥٠ ألف طفل سوري في دول اللجوء لا يذهبون إلى المدارس ٤٠ بالمئة منهم من الفتيات.
وأكدت الدكتورة كشيك أنه يترتب على ظاهرة عمالة الأطفال نتائج كثيرة تؤثر في المجتمع بشكل عام وعلى الطفل بصورة خاصة، ورأت أن أخطر ما يتعرض إليه هؤلاء الأطفال التحرش والاستغلال الجنسي وإجبارهم على القيام بأفعال منافية للأخلاق والآداب العامة ولا تتناسب مع أعمارهم حيث يستغل أرباب العمل حاجة الأطفال إلى المال وخوف الأطفال من الإبلاغ عما يحدث معهم فهم يقدمون على أفعال خطيرة تترك آثاراً كبيرة عندهم مهما كان عمر الطفل، أضف إلى ذلك أن وجودهم الدائم في الشوارع يجعلهم على تماس مع العصابات الإجرامية التي تقوم بالسرقة، ما يعرض حياة الأطفال للخطر الجسدي والنفسي الأسوأ من الموت.
جهود غير كافية
ولفتت إلى أن هذا النوع من الأعمال تتم إدارتها من الأقارب وعلى رأسهم الأهل، بالإضافة إلى أشخاص يستغلون الطفل وبراءته واستخدامه كوسيلة لجمع المال لهم.
وقالت: على الرغم من الجهود التي قامت وتقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ما زالت هذه الظاهرة في انتشار واسع في جميع المناطق، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الآليات والجهود التي تقوم بها هذه الوزارة غير كافية للحد من هذه الظاهرة.
وبينت أنه من الضروري إيجاد آليات جديدة تعمل لمصلحة حماية هؤلاء الأطفال من جميع أنواع الاستغلال وإيجاد مؤسسات تكون مسؤولة عن هؤلاء الأطفال لتأهيلهم وإعادتهم إلى الحياة من جديد، ويكون ذلك من خلال توفير فرصة التعليم وتأهيلهم وتمكينهم مهنياً بجهود حكومية وأهلية، عبر تقديم كل الرعاية والمأوى والرعاية الصحية وخاصة أن هؤلاء الأطفال فقدوا والديهم أو لا يوجد لديهم معيل.