قضايا وآراء

التضخم والركود يثيران الهلع في أميركا

| الدكتور قحطان السيوفي

يؤكد المراقبون أن التضخم والركود يثيران الهلع في الولايات المتحدة الأميركية، وكتب الاقتصادي جيسون فيورمان، الذي عمل سابقاً كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، مقالاً في مجلة «وول ستريت جورنال» استحضر منه شعار الرئيس الأميركي السابق جيرالد فورد: «قاوموا التضخم الآن»، وقال إن الاقتصاد الأميركي لديه كثير من الإنفاق الذي يضغط على قدرته في الإنتاج.

من عوامل التضخم هو الإنفاق العسكري، وكان الاقتصاديون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يؤكدون أن حرب فيتنام كانت تضخمية، بينما تُنفق الولايات المتحدة الأميركية الآن أكثر من 700 مليار دولار سنوياً على الأسلحة والدفاع، ناهيك عن مليارات الدولارات التي تقدم لدعم أوكرانيا عسكرياً الآن، ما أثر سلباً في الإنتاج المدني، لدرجة أن الجمهوريين في الكونغرس يتحدثون عن تخفيض الدعم لأوكرانيا في حال نجاحهم في الانتخابات التشريعية المقبلة.

لاشك أن الحرب الأوكرانية وتداعياتها والعقوبات التي فرضتها أميركا وأوروبا على روسيا، انعكست على الاقتصاد الأميركي وتراجعت معها معدلات النمو في الولايات المتحدة الأميركية.

الخزانة الأميركية أعلنت أن حظر الطاقة الروسية «يضر أكثر مما ينفع»، فارتفعت الأسعار، بشكل عام في الولايات المتحدة الشهر الماضي، حيث دفع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء التضخم إلى أعلى معدل له منذ عام 1981، وفرض ارتفاع تكلفة المعيشة أعباء كبيرة على كاهل الأسر.

مشكلات أميركا المتعلقة بالأسعار لن يتم حلها من خلال أسعار فائدة أعلى، لأن تشديد الائتمان سيعيق الاستثمار في قطاع الأعمال الأميركي من أجل الإبقاء على نفقات منخفضة، لأن الفائدة هي تكلفة، وسيتم تحميلها للمستهلكين، ومن جهة أخرى تزداد الانتقادات المتصاعدة للإدارة الأميركية وسياسات «الاحتياطي الفدرالي» بأخطاء تسببت في الإشراف على الركود.

وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، قال الرئيس الأميركي جو بايدن: «لا أعتقد أنه سيكون هناك ركود اقتصادي، إذا حصل ركود اقتصادي وهذا ممكن، فسيكون طفيفاً»، ويأتي إقرار بايدن بإمكانية أن يشهد الاقتصاد الأميركي ركوداً، بُعَيد الدعوة التي أطلقها صندوق النقد الدولي مؤخراً، إلى المصارف المركزية بهدف مواجهة التضخم الذي يسجل أعلى مستوياته منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وأبقى الصندوق على توقعاته للنمو لعام 2022 عند 3.2 بالمئة، ما يعكس أداء أضعف في الولايات المتحدة، بعد نمو عالمي نسبته 6 بالمئة في عام 2021.

قال الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان إن الولايات المتحدة تتجه إلى ركود بسبب السياسات الاقتصادية غير الحكيمة، وقال العريان لصحيفة «ذا هيل» الأميركية: ارتكب «الاحتياطي الفدرالي» الأميركي أخطاء ستدرج في كتب التاريخ، ووصف هذا الخطأ بأنه تقييم غير صحيح للوضع حول التضخم.

أظهر نموذج بلومبرغ إيكونوميكس للتوقعات الاقتصادية أن احتمال دخول الاقتصاد الأميركي إلى دائرة الركود خلال الـ12 شهراً المقبلة أصبح 100 في المئة، وهو ما يمثل ضربة قوية للرئيس الأميركي جو بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الشهر المقبل.

لاشك أن هذه التوقعات ستكون مقلقة بالنسبة لبايدن الذي يدعي دائما أن الولايات المتحدة ستتجنب الركود الاقتصادي وسيبذل جهداً أكبر وأسرع لإبطاء التضخم كأولوية اقتصادية، وخاصة أنها تأتي قبل الانتخابات التشريعية النصفية.

الاقتصاد الأميركي، يمكن أن يواجه خطر المزيد من الركود في حال قيام البنك المركزي برفع الفوائد بوتيرة سريعة للجم مستويات التضخم غير المسبوقة، والتي تقلص من القدرة الشرائية للمواطنين.

إن أميركا التي تفرض المزيد من العقوبات على روسيا، تعاني من مستويات تضخم غير مسبوقة وركود، ما يثير الهلع في المجتمع الأميركي، ويقول ثلاثة من كل خمسة أميركيين إن الولايات المتحدة تعاني من حالة ركود، وفقاً لآخر استطلاع أجرته مجلة «إيكونوميست» بالتعاون مع مؤسسة «يوغوف» البحثية.

لقد أدى ارتفاع التضخم، وهو أعلى معدل منذ الثمانينيات من القرن الماضي، إلى سوء الحالة المزاجية للكثيرين، وأصبح بعض الأميركيين يعتمدون على سياراتهم الخاصة بمعدل أقل لتوفير البنزين، ويتخلون عن المنتجات العضوية باهظة الثمن، ويبحثون عن صفقات لتوفير بضعة دولارات.

وهناك المزيد من الأخبار السيئة، إذ يتباطأ سوق الإسكان الذي كان مزدهرا في يوم من الأيام، وهو ما يجعل الأسهم في شركات العقارات أمراً محفوفاً بالمخاطر، كما تلقى مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» الذي يضم أسهماً لأكبر 500 شركة مالية أميركية، ضربة قوية، إذ انخفض بنسبة 19 بالمئة لهذا العام، وهو ما أدى إلى خسارة المستثمرين لتريليونات الدولارات.

في أميركا ثمة مخاطر حقيقية مرتبطة بالأسعار، من أكبر هذه المخاطر المضاربة المالية في النفط، والمعادن، والأخشاب المستخدمة لبناء المنازل، وما إلى ذلك، قد ينشأ خطر آخر إذا أنصت الاحتياطي الفيدرالي إلى نصيحة صقور التضخم، وسيؤدي تشديد الأوضاع النقدية والمالية

في الولايات المتحدة، إلى إبطاء النمو إلى 1 في المئة في العام المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن