هل أرقام الموازنة حقيقية أم خلبية؟ دكتور جامعي يتنبأ: 2023 سيكون أقسى بكثير من العام الجاري … عربش لـ«الوطن»: بعد تصحيح الأرقام بنسبة التضخم.. الاعتمادات فعلياً أقل من العام الحالي
| محمد راكان مصطفى
تساءل دكتور الاقتصاد في جامعة دمشق شفيق عربش بشأن الموازنة التي وافق عليها المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي يوم أمس والتي بلغت اعتمادها 16550 مليار ليرة، منها 13550 ملياراً للإنفاق الجاري و3000 مليار للإنفاق الاستثماري، وبما يزيد على موازنة العام الماضي بـ24,2 بالمئة، هل أرقامها حقيقية أم خلبية وضعت كيفما اتفق؟
وأشار إلى أنها شهدت تخفيضاً بنحو 600 مليار من اعتمادات الدعم، ومع الأخذ بالأرقام الثابتة بعد تصحيحها بنسبة التضخم، هذه الاعتمادات فعلياً أقل من اعتمادات العام الحالي.
وقال: إذا أخذت بعين الاعتبار تصريحات القائمين على قطاع النفط وخاصة آخر تصريح للمدير العام لشركة محروقات قبل الزيادة الأخيرة للمشتقات النفطية والذي أعلن فيه عبر شاشات الإعلام الرسمي أن الدعم يكلف دعم المشتقات يكلف 30 ملياراً يومياً ما يعني أن الحاجة 11 ألف مليار، على حين المخصص 3 آلاف مليار، مضيفاً: فمن أين سوف يسد هذه العجز.
وتابع عربش قائلاً: كذلك الأمر بالنسبة للدقيق التمويني إذا أخذت بالحسبان تصاريح وزير التجارة الداخلية حول تكاليف ربطة الخبز وإنتاج الخبز اليومي يتبين أن أحد الرقمين غير صحيح فإما التكلفة غير صحيحة وإما اعتمادات دعم الرغيف التمويني غير دقيقة وخاصة أننا هذا العام بحاجة إلى استيراد أكثر مليون طن حتى يتم تأمين احتياجات القطر حتى نهاية تموز العام القادم.
وبالنسبة للسكر والرز افترض دكتور الاقتصاد أنه في حال كان الدعم بـ4000 ليرة للكيلو يتبين أن المواطن لن يحصل على المخصصات الشهرية على مدار العام القادم.
وفيما يتعلق باعتمادات الرواتب والأجور البالغة اعتماد كتلة الرواتب والأجور والتعويضات بنحو 2114 مليار ليرة رأى عربش أنها تعني أنه لا أمل أبداً في تحسين الرواتب والأجور المنخفضة أصلاً قياساً على واقع الأسعار في الأسواق.
وأشار إلى أن الموازنة لم تتحدث عن موارد الدولة ولم تشر إلى نسبة العجز بالموازنة وكيف سيغطى هذا العجز؟ مضيفاً: كما أن الموازنة غفلت عن دعم الكهرباء ولا أعرف إن كان هذا يبشر برفع أسعار الكهرباء المنزلية أو التجارية والصناعية، واضعاً السؤال برسم الحكومة.
وتمنى عربش ألا يصيب تنبؤه بأنه ومن خلال أرقام الموازنة المعلن عنها فإن عام 2023 هو عام سيكون أقسى بكثير من العام الجاري.
بدوره الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان وصف نسبة التضخم التي طرأت على موازنة العام 2023 مقارنة بالعام الحالي بالمرتفعة، معيداً ذلك إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما أثر بشكل كبير على المستوى العام للأسعار.
كنعان اقترح في حديثه لـ«الوطن» أن يتم توزيع كتلة الدعم والبالغة 4927 مليار ليرة ه إلى قسمين أحدها على شكل إعانات مادية للأسر الفقيرة بحيث تتم إعالة مليون أسرة بمبلغ 100 ألف ليرة بإجمالي نحو1200 مليار ليرة سنوياً، والآخر عبر زيادة على الرواتب والأجور والمحددة بالموازنة بـ2114 مليار ليرة بالمبلغ المتبقي من الدعم والذي يمكن أن يحقق زيادة بنحو 190 بالمئة، مضيفاً: وبذلك يمكن تعويم الأسعار والتخلص من مشكلة الدعم وما تسببه من عبء على الحكومة وانشغالها بإيصال الدعم إلى مستحقيه، وبما يؤدي إلى الاستقرار من استمرار دعم المواد الذي يؤدي إلى سوق سوداء وانتشار الهدر والفساد، وبما يضمن التماشي مع التوجهات الاقتصادية العالمية وبما يتناسب مع روح العصر، خاصة مع غياب سيطرة القطاع العام عن الإنتاج والذي لا تصل حصته من الإنتاج إلى أقل من 25 بالمئة.
الأستاذ الجامعي لم ير وجود مؤشرات في الموازنة عن احتمالية ارتفاع أسعار المحروقات محلياً، وقال: حالياً الأسعار في السوق الداخلية قريبة من سعر السوق العالمية، مضيفاً: وأي تبدل للسعر العالمي من الممكن أن ينعكس على الأسعار المحلية.
وتوقع كنعان أن تكون نسبة العجز في موازنة العام القادم والتي لم يعلن عنها في البيان الحكومي ستبقى نسبة العجز نفسها للعام الحالي والبالغة نحو 30 إلى 40 بالمئة، وقال: لا اتخوف كثيراً من موضوع العجز لأنه عندما يذهب إلى المشاريع الصناعية والإنتاجية لا يؤثر سلباً وإنما يكون تأثيره ايجاباً، مقترحاً أن يتم التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المدن والأرياف والسماح باستيراد المواد الأولية بما يشجع على إقامة مشاريع تعوض النقص في السلع والخدمات بما يخفف كثيراً على ارتفاع المستوى العام للأسعار.
وبين كنعان أنه ضد التوجه نحو سد العجز عن طريق زيادة الإيرادات الضريبية والرسوم الجمركية وخاصة أن الصناعيين لديهم فرص استثمارية كبيرة في الخارج، ورأى أن على الحكومة أن تتحمل لبضع سنوات وتقوم بدعم الصناعة لتقوم الصناعة بدورها بعد سنوات بدعم الاقتصاد وتقديم الضرائب والرسوم، ووصف الطريقة المتبعة حالياً بالتكاليف الضريبية الكبيرة للصناعة والتجارة بأنها غير منطقية مقارنة بالوضع الاقتصادي والإنتاجي الحالي وسوف تتسبب بهجرة للفعاليات الاقتصادية، ويجب على الحكومة أن تشجع الإنتاج لا أن تزيد الموارد الضريبية، وعليها أن تدعم الصناعة وتذلل العقبات التي تواجهها، إضافة لضبط الحدود للحد من دخول المواد تهريباً وفرض الرسوم الجمركية الحقيقية المناسبة بما يضمن دعم الخزينة بمبالغ كبيرة مع ضمان حماية الإنتاج الوطني.