قضايا وآراء

شياطين التشكيلة الوزارية الحاضرة

| أحمد ضيف الله

بعد أن أنجز العراق انتخابات رئاسة الجمهورية، وأعاد فتح العملية السياسية في الـ13 من تشرين الأول 2022 من جديد، كلف رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد فور انتخابه وتأديته اليمين الدستورية، مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني تشكيل حكومته.

محمد شياع السوداني، الذي لا يملك تياره النيابي «الفراتين» سوى ثلاثة نواب في المجلس النيابي، بمن فيهم هو، ويتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأحزاب السياسية، ويحظى بدعم الإطار التنسيقي الذي يُعد التكتل الأكثر عدداً في المجلس النيابي بامتلاكه 138 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس النيابي، أمامه 30 يوماً لاختيار تشكيلته الوزارية وطرحها للتصويت مع برنامجه الحكومي في المجلس النيابي لنيل ثقته، وهي مهمة ليست بالهينة بعد عام من الشلل والانقسام السياسي الحاد، لمواجهة تحديات جمة، كالفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية، وحل مشكلات ضعف الخدمات العامة الأساسية في الكهرباء والصحة والتعليم والصرف الصحي والطرق وفي معالجة البطالة وفوضى السلاح المنتشر بين المواطنين والعشائر والفصائل المسلحة وتهديدات بقايا تنظيم داعش الذي ما زال يضرب هنا وهناك، وفي تحييد العراق عن ساحات الصراع الإقليمي والدولي، وغيرها من التحديات.

رئيس الوزراء المكلف الذي عمل في مواقع مهمة في إدارة الدولة العراقية لم يُسجّل بحقه أيّ ملف فساد أو فشل، منذ أن عمل بداية في مديرية زراعة محافظة ميسان عام 1997، حتى آخر منصب عمل به كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية خلال الفترة 2014- 2018، وأن انتقادات تكليفه من قوى الحراك التشرينية والتيار الصدري لم تكن شخصية، إنما لكونه مرشحاً من الإطار التنسيقي.

المناصب الوزارية موزَّعة بين المكوّنات العراقية وفق صيغ سارت عليها كل الحكومات السابقة التي تشكلت منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، وفقاً لنظام النقاط المتبع في تحديد الأوزان النيابية لكل مكون، ومن المستحيل مغادرة ذلك، وبالتالي ليس هناك من جديد في طريقة تشكيل الحكومة، لكون آليات توزيع الوزارات معروفة للجميع، فكل مكون يعرف استحقاقاته الوزارية، ووفق ذلك، فإنه من المتوقع أن يحصل المكون الشيعي على 11 أو 12 وزارة، والمكون السنّي على 6 إلى 7 وزارات، والأكراد من 4 إلى 5 وزارات، ووزارة واحدة تمنح لممثلي الأقليات.

إن مهمة تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والعرقيات والتشكيلات السياسية، كالعراق، ليست بالهينة، فعلى الرغم من أن جميع الكتل النيابية تسعى إلى إنجاح تشكيل الحكومة، إلا أن الوقائع على الأرض تفيد بأن هناك رؤى مختلفة داخل المكون الواحد بشأن استحقاقاته الوزارية، خاصة أن شياطين توزيع الوزارات بين الكتل حاضرة دائماً.

الكتل الشيعية، حلت مشكلاتها، بتخويل الرئيس المكلف اختيار وزرائهم حسب أوزان كل كتلة نيابية، بسبب التنافس على الوزارة ذاتها بين كتلتين أو أكثر، بينما تختلف الكتل السنيّة فيما بينها بشأن حصص كل طرف منها من الوزارات ومنصب رئاسة المجلس النيابي، فتحالف السيادة برئاسة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، لا يريد إدخال منصب رئاسة المجلس النيابي في حساب النقاط بوصفه من حصة المكون السنّي، بينما يريد تحالف عزم برئاسة مثنى السامرائي الحصول على عدد من الوزارات، أو التخلي عن وزاراته مقابل تسلم منصب رئاسة المجلس النيابي بدلاً من محمد الحلبوسي، كذلك الكتل الكردية تختلف فيما بينها بشأن توزيع حصصها من الوزارات. فالاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل الطالباني يطالب بوزارتين من حصة المكون الكردي، بينما يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، أن الاتحاد الوطني الكردستاني استنفد حصته من خلال حصول قياديه عبد اللطيف رشيد على منصب رئاسة الجمهورية.

موعد جلسة منح الثقة لرئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني وبرنامج حكومته لم يحدد بعد، والرؤى المختلفة التي ظهرت داخل المكونات بشأن استحقاقاتها الوزارية لا تمثل تهديداً جدياً لعملية التشكيل، أو العودة إلى الانسداد السياسي، خاصة أن المهلة الممنوحة لتشكيل الحكومة لم تبلغ نصفها بعد، كما أن رئيس مجلس الوزراء المكلف ليس ملزماً، وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية رقم 93 لسنة 2010، بتقديم كامل تشكيلته الوزارية في نهاية المهلة المحددة له دستورياً، فهو يستطيع أن يقدم نصفها زائد واحد، إذا تعذر إتمام التشكيل بالكامل في الوقت المحدد.

إن ما يترقبه العراقيون من محمد شياع السوداني، أن تكون حكومته، حكومة خدمات وإعمار، تضع همومهم ومعاناتهم في أولوياتها. فالعراقيون واجهوا ما يكفي من الإحباط والقهر من كل الحكومات السابقة وطبقتها السياسية، وآن الأوان لتلبية كل احتياجاتهم الخدمية، وتطلعاتهم المستقبلية التي طال انتظارها، فهم غير معنيين لا بالأوزان النيابية ولا بشياطين تفاصيل التشكيلة الوزارية المرتقبة ومناكفاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن