قضايا وآراء

أوروبا وفاتورة الصراع!

| هديل علي

بدأت فقاعة الاحتجاجات الأوروبية تكبر، ولعل أبرزها في الدول المحورية للاتحاد الأوروبي سواء في ألمانيا أم فرنسا، التي صدحت بحناجر مواطنيها للمطالبة بضرورة إخراج فرنسا من حلف شمال الأطلسي ومن الاتحاد الأوربي، إضافة إلى وقف إمداد كييف بالسلاح، والاستثمار في السبل الدبلوماسية والعمل على رفع العقوبات المضرة بالقارة الأوروبية كتكتل اقتصادي.

بالطبع الصفعة الصينية على الوجه الأوروبي كان لها بالغ الأثر في زيادة القلق مع اقتراب الشتاء، حيث طلبت بكين من شركات استيراد الطاقة المملوكة للدولة التوقف عن إعادة بيع الغاز الطبيعي المسال الفائض للمشترين في أوروبا وآسيا، لأنها بحاجة إلى إنشاء ما سمته احتياطيات غاز محلية كافية لفصل الشتاء.

الصفعة الأشد إيلاماً كانت عبر تصريحات من قطر كإحدى أكبر مصدري الغاز المسال في العالم، وقد جاءت على لسان وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، الذي قال: إن أزمة الطاقة في أوروبا ستستمر حتى العام 2025، لأن المشكلة هي أن قطر تنفذ حالياً برنامجاً ضخماً لإعادة تنظيم وتطوير صناعة الغاز، ولديها القليل جداً من الغاز الفائض للبيع، ولكن سيكون هناك غاز متاح، بكميات مقبولة بدرجة ما للأوروبيين فقط بعد العام 2025، وهذا يعني أن فصلي شتاء قاسيين على الأقل ينتظران الأوروبيين، إضافة إلى الموسم القادم.

اجتماع بروكسل الذي عقد قبل أيام في محاولة لتجاوز انقسامات أوروبا والتوصل إلى حل للارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، على خلفية توتر فرنسي ألماني لم يفض إلى شيء، حيث لن تنفع خريطة الطريق التي تحدثت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ولا حزمة الإجراءات الدقيقة التي تغنى بها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وهم يعلمون يقيناً أنه لن يعوض أي مورد للطاقة الغاز الروسي أولاً من جهة الجغرافيا والمسافة، وثانياً من جهة التكاليف، وليس آخراً وجود البنية التحتية الجاهزة، فالأمر لا يحتاج إلا لإزالة العقوبات التي فرضها المتضررون أنفسهم والتفكير بجدية وبعقلية وطنية تخدم المواطن الأوروبي المتضرر الأول والأخير من هذه السياسات التي لا طائل منها سوى الخسارة والخذلان.

أوروبا الآن تحت رحمة ما يعرف باسم «التضخم الجشع»، حيث تستخدم فيه الشركات الكبيرة ذات الاحتكارات، شروطاً معينة لزيادة أسعار المنتجات، وبالتالي زيادة معدل التضخم، لأن الأرباح المفاجئة ستخلق حتماً أزمات اجتماعية ما لم يخفف التضخم بارتفاع الأجور، ومن ثم المواطن الأوروبي سيعيش ارتدادات لا يمكن السيطرة عليها لا بإجراءات ولا بعقود طويلة الأجل إنما بمراجعة السياسات، وخاصة أن الأوروبيين سيواجهون واقعاً معقداً بسبب الحرب في أوكرانيا والهجمات التخريبية على خطي نقل الغاز «السيل الشمالي 1 و2»، وكذلك خفض «أوبك +» إنتاجها اليومي البالغ مليوني برميل نفط.

واشنطن تمسك باليد الأوروبية إلى نهايات مؤلمة، لكونها الحلقة الأضعف بين حلقات الحرب في أوكرانيا، والأقرب جيوسياسياً لارتدادات هذه الحرب، وخاصة من الناحية الاقتصادية، فقد كانت ذات ارتباطات عميقة مع روسيا ما كانت لتتزعزع لولا الضغوط الأميركية التي ستؤدي حتماً إلى تدفيع أوروبا فاتورة الصراع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن