شؤون محلية

النقل العام: أزمة مستفحلة

| ميشيل خياط

استدار سائق الميكروباص مزة جبل نحونا وصرخ بنا: الأجرة 500 ليرة، ما حصلت عليه من مازوت حكومي وهو أحد عشر ليترا انتهى. أنقلكم الآن بمازوت السوق السوداء.

لم ينتظر جواباً أو اعتراضاً، كان واثقاً أن الجميع سيخضعون، وهذا ما حدث بالفعل إذ ارتفعت أصوات مؤيدة له، وأن من حقه أن يحصل على هذا المبلغ لأنه يشتري المازوت بسعر مرتفع!!

أما الـGBS فلقد بات على لسان السائق للسخرية والتندر، وهناك من جزم أنه فاقم الأزمة!

وفي رأيي أنه لا يجوز الاستسلام لحفنة من المتنمرين، الباحثين عن الربح الحرام، ولعل ما يجعلهم يستهترون بالناس هو الخوف من الشكوى وتبعاتها.

هناك من اقترح صعود شرطي بلباس مدني، يضبط مثل هذا السائق ويزجه في السجن. لكن هذا الحل سيصب الزيت على نار الأزمة.

يجب العودة إلى جذور الأزمة: زيادة متنامية جدا في عدد السكان، واعتماد مكثف على ميكروباصات صغيرة مهترئة، انتهى عمرها الفني منذ عشرين سنة. هناك ما يقرب من 7500 ميكروباص في دمشق …!!. مقابل مئة باص نقل عام …!!

في أغلب دول العالم يعتمدون على الحافلات الكبيرة الباصات، ومن المؤسف أن هذا الحل المنطقي يكاد يتلاشى، على امتداد الأرض السورية، لولا الهدية الثانية من الأصدقاء في الصين الشعبية، هدية المئة باص.

قرأت تصريح رئيس مجلس الوزراء في مجلس الشعب مؤخرا، وهذا نصه: خصصنا مليارا ونصف المليار للنقل الداخلي، منذ بداية العام الحالي. استلمنا الدفعة الثانية 100 باص صيني هدية وزعت على المحافظات. رصدنا ثلاثة مليارات ليرة سورية لإصلاح 100 باص متوقف، ووضعها في الخدمة.

ولقد لفت انتباهي أنه لم يشر إلى عقد الخمسمئة باص إيراني الموقع مع مورد إيراني في حزيران 2021، بشرط وصولها إلى سورية خلال ستة أشهر، ثم تبني مجلس الوزراء، في بداية هذا العام لعقد استيراد 500 باص من إيران واعتباره جيداً، على أمل أن يتم التوريد خلال ستة أشهر. ليت أحد أعضاء مجلس الشعب لفت انتباهه إلى هذه الواقعة.

ها قد مضى عام وثمانية أشهر ولم نر باصاً واحداً من تلك الباصات، فلماذا؟

لعلها لو جاءت في الوقت المناسب لوفرت حلاً مهماً جداً، يجتث ألماً جماهيرياً، وهماً كبيراً، يسيء لمئات ألوف المواطنين في كل المحافظات السورية.

ثمة نقص فادح في عدد الباصات العامة والخاصة، وعلى الرغم من السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في النقل العام فإنه يحجم ولم يكرر مبادرة اضطلع بها قبل خمسة عشر عاما، عندما رأت النور عدة شركات خاصة استوردت مئات الباصات، وساهمت في التخفيف من أزمة الازدحام على حافلات النقل العام آنذاك.

إن مشهد الباصات في مددنا مخيف إنسانيا، وعصي على الوصف، وهو يراكم انطباعات سيئة وعادات غير حميدة، ومشاعر الضغينة والأسى، لقد تحول النقل العام من عصب للحياة الاجتماعية والإنسانية إلى سوط يلسع المواطن يوميا دون ذنب معلن!

لا يجوز ترك مرفق النقل العام للمكاتب التنفيذية في المحافظات أو في عهدة رجال شرطة المرور، المنهكين بأعباء كثيرة.

هذا المرفق العام، وهو عصب الحياة فعلاً، يجب أن يبقى تحت سيطرة، وبإشراف مؤسسة حكومية تديره بقوة واقتدار وحزم. بعيداً عن ميوعة ورعونة وجشع هذا وذاك من سائقي الميكروباصات.

نعم لقد آن الأوان لاتخاذ موقف صارم، وربط الميكروباصات بشركات النقل العام إدارياً.

وهذا لا ينفي أن مدننا تحتاج إلى بنى تحتية جديدة تيسر حركة السير فيها.

كلنا يدرك أن تأثير الحرب فادح، لكننا جميعا نرى من نوافذ الباصات المحشوة ببشر يكادون يختنقون من الازدحام، سيارات فارهة، جميلة ونظيفة وكأنها خارجة من مصانع الماركات المميزة للتو، لمسؤولين كان عليهم أن يوفروا نقلاً إنسانياً، ونتساءل: هل صحيح أن الزجاج الأسود يجعلهم لا يرون ماذا يحدث على مواقف الباصات والميكروباصات؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن