قضايا وآراء

حكومة محاصصة وتحديات صعبة

| أحمد ضيف الله

إعلان المجلس النيابي العراقي موافقته على تحديد يوم الـ27 من تشرين الأول 2022، موعداً لعقد جلسة مناقشة المنهاج الحكومي ومنح الثقة لتشكيلة رئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني، حفز بعض الوسائل الإعلامية المشبوهة التوجه والتمويل، وعدداً كبيراً من مواقع التواصل الاجتماعي المدارة من خارج العراق، بإطلاق سيل من الأخبار المضللة والشائعات، بهدف إثارة الفتن والقلاقل وبث روح اليأس والتشاؤم لدى عموم الشعب العراقي.

الشائعات تركزت في الحديث عن صراع وتنافس بين مختلف القوى السياسية العراقية الأساسية وداخل كل مكون، سواء كان شيعياً أو سنياً أم كردياً، للاستحواذ على هذه الوزارة أو تلك، وإصدار بيانات لا صحة لها، كالمنسوبة إلى المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء المكلف بأسماء مرشحين لوزارات لا وجود لهم، ومروجين لبورصة بيع الوزارات التي وصلت إلى 80 مليون دولار لوزارة الدفاع، وما أن أُعلن عن تأجيل جلسة المجلس النيابي المقررة الساعة الثانية ظهراً بتوقيت بغداد، إلى الساعة السادسة عصراً، حتى ضخت هذه المواقع والوسائل الإعلامية، خبر اعتذار المكلف محمد شياع السوداني عن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.

محمد شياع السوداني عرض منهاج حكومته في المجلس النيابي التي أسماها بـ«الخدمية» في 23 صفحة، بحضور 253 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس، وكان أبرز ما جاء فيه، تعهده بـ«تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام»، ملتزماً «ببناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 80 يوماً من تاريخ تشكيلها»، وفي «توحيد السياسة الجمركية في جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية وغلق المنافذ غير الرسمية»، والتنسيق «بين حكومتي المركز والإقليم حول الملفات والقرارات التي تخص إقليم كردستان»، فضلاً عن «الالتزام بتقديم ورقة إصلاحية اقتصادية شاملة مرتبطة ببرنامج تنفيذي محدد»، وفي علاقات العراق الخارجية، شدد السوداني على «تعزيز العلاقات مع الدول على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وخاصة دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الشقيقة الأخرى».

وبسلاسة وهدوء ملحوظ تم التصويت على منح الثقة لتشكيلة السوداني الوزارية ومنهاجها الحكومي برفع الأيدي، المكونة من 21 وزيراً، بينهم 12 وزيراً شيعياً، و6 وزراء سنّة، ووزيران كرديان، ووزيرة واحدة للمسيحيين، فيما لا تزال وزارتان من حصة المكون الكردي، لم يتفق بشأنهما.

جلسة منح الثقة لم تتوقف إلا لبضعة دقائق بسبب صياح وشجار وقع داخل الجلسة بين النائب عن الإطار التنسيقي فالح الخزعلي، والنائب علاء الركابي رئيس كتلة «امتداد» النيابية الذي كان يهتف بأن حكومة السوداني مرفوضة وأنها حكومة محاصصة، وقد أُحيلا إلى لجنة السلوك النيابية، بعد طرد الركابي من الجلسة، وكان الركابي قد نشر مقطعاً فيديوياً، قال فيه: إنه وزميله النائب فلاح الهلالي تعرضا للضرب خلال الجلسة.

كتلة «إشراقة كانون» النيابية قاطعت الجلسة وعدت في بيان لها، أن «الآلية التي اتبعت في تشكيل الحكومة الحالية لم تختلف عن سابقاتها باعتماد المحاصصة منهجاً ثبت فشله»، كما قاطع الجلسة نواب محافظة ديالى، الذين أعربوا عن «امتعاضهم من التشكيلة الوزارية».

ما من شك أن الحكومة الجديدة، هي استمرار لحكومات المحاصصة الطائفية والحزبية التي من الصعب مغادرة واقع تشكيلها، وتجاهل الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق في الوقت الحالي، وخاصة أن الحكومة الجديدة جاءت بعد مخاض عسير شهده المسرح السياسي العراقي، في خصومات سياسية بين الأطراف المكونة للعملية السياسية فيه، منذ أن أجريت الانتخابات النيابية المبكرة في الـ10 من تشرين الأول 2021، انعكست في مرحلة منه عنفاً دامياً بين المتخاصمين في الشارع.

حكومة محمد شياع السوداني، مثلت كل الكتل الرئيسة في المجلس النيابي، وبالتالي يُفترض دعمها وإنجاحها من هذه الكتل، بمنحها فرصة حقيقية لتنفيذ برنامجها الحكومي، ومن غير المنطقي الحكم على أدائها مبكراً.

إن معيار نجاح حكومة السوداني، هو قدرتها على خدمة العراقيين في البناء والإعمار، وتوفير الخدمات العامة الأساسية، وتحسين معيشته، ومكافحة الفساد، وحماية أمنهم، وبذات الوقت حماية سيادة العراق وحفظ أمنه واستقراره، وخصوصاً «عدم السماح بأن يكون العراق ممراً أو مقراً للاعتداء على الدول الأخرى وفق ما نص عليه الدستور»، بحسب المنهاج الحكومي، وذلك بوضع حد للصوصية الجيش الأميركي بسرقة النفط والمحاصيل الزراعية من سورية، وبيعها في إقليم كردستان الذي يبدو أنه تحول إلى قاعدة انطلاق للأعمال العدوانية على سورية.

محمد شياع السوداني الذي كان قد كُلف في الـ13 من تشرين الأول 2022، ألزم نفسه ببرنامج طموح وصارم، يتمنى كل محبي العراق أن ينجح في تنفيذه. وإن كنت أعتقد أن عاماً واحداً لا يكفي لتنفيذ ما أفسده الكاوبوي الأميركي منذ احتلاله العراق عام 2003.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن