من دفتر الوطن

فلسفة.. وفشة خلق!

| عصام داري

اليوم سأغير اهتماماتي، أريد أن أخصص هذه الزاوية للحديث الجدي، وأرغب في أن أتفلسف قليلاً، ألا يسألونك عادة: ما فلسفتك في الحياة؟

هل يحق لنا أن نختار فلسفتنا الخاصة كأن نقول: إن فلسفتي تقوم على تقديس الحرية ونشر الحب والمحبة والتمسك بحبال الأمل.

سبب هذا الانقلاب في كتابتي اليوم أنني قرأت حكمة قالها أحد الفلاسفة نصها يقول: «إننا نخترع أسباباً تطيل فترة تعاستنا».

الفكرة تقوم على أننا نحمّل الآخرين المسؤولية عن شقائنا، بشكل أوضح: تقع مسؤولية هذا الشقاء على الزوجة أو الزوج أو الجيران والمعارف والأصدقاء، أو الحكومة والدولة، وهكذا، ومن دون أن ندري نحول الآخرين إلى أعداء، أو إلى مشاريع أعداء على أقل.

في الآونة الأخيرة، وربما لعدة سنوات صارت كتاباتي نوعاً من الشكوى: أشتكي من الغلاء الفاحش وقلة الدخل وفقدان بعض المواد الضرورية للحياة الكريمة، ولم ألاحظ أن هذه الكتابات كانت اختراعاً أطال فترة تعاستي كما قال الفيلسوف الآنف الذكر، وأنني أزيد من جرعة الألم التي أتلقاها على مدار الساعة.

ترى، لو اقتنعت أنا شخصياً بهذه الفلسفة المثالية، هل أستطيع إقناع غيري، وما الوسيلة المثلى لذلك؟

أظن أن الفيلسوف نفسه غير قادر على إقناع الناس بالتفكير بهذه الطريقة كي يقصروا فترة تعاستهم ومعاناتهم، فهذا الفيلسوف يدعونا إلى (معرفة الحقيقة ونفتش عن أسباب معاناتنا في دواخل ذاتنا) ويمضي إلى القول: إذا فعلنا ذلك فإننا قادرون على أن نكون سعداء!

لو أن الفيلسوف الذي نحن بصدد ذكره ونشر تعاليمه وشرح فلسفته، لو أن هذا الفيلسوف جاء الآن إلى بلدنا وشاهد معاناتنا والأزمات التي يعيشها السوريون في أغلبيتهم العظمى، ولو تعرف على مشاكلنا اليومية لغير رأيه وتخلى عن فلسفته تلك وتبنى فلسفة الشارع السوري بكل جزئياتها.

لا شك أننا عندما نبحث عن مشجب نعلق عليه أخطاءنا ومشاكلنا سنزيد فترة تعاستنا ونبعد أي فرصة للسعادة عن أنفسنا، لكن المشكلة أننا في قلب المشكلة، أو المشاكل التي تحاصرنا والتي لا يتصور فيلسوفنا وجودها في أي مكان من العالم.

الفلسفة كلام، قد يكون عاقلاً، أو كلام يجرنا إلى الجنون، لكن المهم أن نكون قادرين على فهم الفلسفة شريطة أن تكون هذه الفلسفة قد أخذت بالحسبان حالة الناس وليس مجرد تنظير من بعيد دون معرفة ظروف هذه المجموعة من الناس أو تلك، وإلا فستكون كل فلسفات الكون طريقاً معبّداً نحو الجنون والهلوسة.

أنا شخصياً مقتنع أننا نخترع أسباباً تزيد فترة تعاستنا، لكننا نفعل ذلك لأننا لا نملك البديل، وغير قادرين على صنع السعادة التي تحتاج إلى متطلبات سرقتها المشاكل التي نعانيها، وعندما نخترع تلك الأسباب فإننا نشعر بشيء من الرضا لأننا سمينا الأشياء بمسمياتها، وهذا ما نسميه «فشة خلق».

مع ذلك لكم أن تفكروا ملياً في كلام الفيلسوف، وفي الوقت نفسه لكم الخيار وبإمكانكم أن «تفشوا خلقكم في كل ساعة ووقت» وعليكم تحمل النتائج مهما كانت!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن