ما بعد «كامب ديفيد2»
أسدلت الستارة على مسرحية «كامب ديفيد» الجديدة، ومن خلالها يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أسس لأول محور أميركي إسرائيلي خليجي سيطلق عليه سراً اسم «المحور الوهابي الصهيوني»، وهو ما كان يعرف سابقاً بـ«محور الاعتدال»، ليكون في مواجهة محور قديم جديد للمقاومة، لم يعد يقاوم إسرائيل وخططها فحسب بل أيضاً خطط ومشاريع واشنطن وأزلامها في المنطقة، محور توسع مؤخراً ليشمل دولاً في المنطقة ودولاً خارجها تنبهوا باكراً لما يحاك للعالم من خلال الربيع المزيف، وقد يعلن عنه ربما في موسكو أو سوتشي أو حتى بكين أو طهران أو دمشق في وقت لن يكون ببعيد.
قادة الخليج الذين استدعوا إلى واشنطن، باتوا الآن مطمئنين أن لا ربيع في بلادهم وأن لا تهديد لعروشهم، ولا دروس تلقن لهم في الديمقراطية وحقوق الإنسان، فسيدهم الأميركي قدم كل ما يلزم من ضمانات للدفاع عنهم أرضاً وجواً وإلكترونياً، أي إن الولايات المتحدة الأميركية قد تمنع حتى الهجمات اللفظية تجاه آل سعود وغيرهم على الشبكة العنكبوتية، وذلك حفاظاً على ما تبقى من سمعة، سيئة الذكر وخاصة لآل سعود وآل ثاني، يضاف إلى كل ذلك «صك براءة كامب ديفيد» من تهم الإرهاب التي تلاحق السعودية منذ أحداث أيلول 2001، وقطر منذ اندلاع العدوان على ليبيا ثم سورية.
هم ذهبوا إلى واشنطن طالبين الرضا أولاً والضمانات ثانياً، وربما إقناع سيدهم بمخططاتهم الوهابية في المنطقة، من قبيل المناطق العازلة في سورية على سبيل المثال لا الحصر، فسمعوا منه كلاماً جعلهم «يرحبون فجأة بالاتفاق النووي مع إيران» ويؤمنون بالحل السياسي للأزمتين السورية واليمنية، ويغادرون مع بيان يحفظ ماء الوجه ويشبه بيانات القمم العربية دون طعم أو لون، لا بل مهين في بعض فقراته، على حين إن البيان الحقيقي تجسد في صورة أظهرت وزير خارجية أغنى دولة عربية يقف خلف حكامه الجالسين مع أوباما وكأنه نادل ينتظر السماح له بتقديم واجب الضيافة لأسياده.
لم تكن إيران تشكل يوماً أي تهديد لدول الخليج، بل كان التهديد، وباعتراف أوباما شخصياً، هم شعوب الخليج المحتجزين رهائن عند حكامهم، فكان لا بد من تهديد، ولا بد من عدو، ولا بد من كامب ديفيد لإسكات تلك الشعوب إلى الأبد، والتمهيد لاتفاقيات سلام مع إسرائيل التي هي بالتأكيد الرابح الأكبر من كامب ديفيد في 2015 كما كانت في 1979 وخاصة بعد مسخرة البيان الختامي الذي تجاهل القدس وتجاهل ثالث الحرمين الشريفين وحق العودة وقرارات مجلس الأمن، مكتفياً بالإشارة إلى حل الدولتين دون تحديد حدود أو عاصمة.
الرابح الثاني من كامب ديفيد هم بالتأكيد مصنعو السلاح الأميركيون الذين وجدوا في رئيس بلادهم أعظم رجل في العالم قادر على تسويق السلاح وبيعه بالأطنان لمراهقين أغنياء يستأجرون جيوشاً لاستخدام السلاح المشترى، وعلى استعداد لتلبية أي طلب للسيد الأميركي دون تردد أو تفكير.
وماذا بعد كامب ديفيد الثانية؟ إنها مرحلة بناء الشرق الأوسط الجديد كما رسمته واشنطن، المقسم إلى محورين (مؤقتاً).
يحتاج الشرق الأوسط الجديد إلى تفاهم أميركي روسي قد يتحول إلى شراكة، وإلى تفاهم سعودي إيراني قد يأخذ شكل حوار، لكن في المحصلة، المحوران باتا شبه معلنين بانتظار المحور العسكري الذي سيعيد الأمن والأمان إلى العراق وسورية ومنهما إلى كل المنطقة.
تدرك واشنطن جيداً أن إيران وبعد رفع العقوبات عنها ستصبح قوة عظمى اقتصادياً واجتماعياً إضافة إلى قوتها العسكرية المتفوقة حالياً، لذلك سمح سيد البيت الأبيض لمراهقي آل سعود بأن يشنوا حربهم على أفقر بلد عربي ليدمروه ويظهروا بأنهم «قوة عسكرية ضاربة» يضاف إليها ضمانات كامب ديفيد فيصبح التوازن قائماً ما بين إيران وسورية وحزب اللـه من جهة مع دعم ومؤازرة روسيا والصين ودول البريكس، والسعودية ومن يدور في فلكها من دول خليجية معروفة وإسرائيل من جهة ثانية، وهكذا نصبح أمام محورين متوازنين كما يعتقد ويرى قادة البيت الأبيض. يبقى أن إسرائيل لن تكتفي بتطبيع سري مع دول الخليج مقابل الاتفاق مع إيران، وصرحت أنها تريد تعويضات، قد تكون نقدية أو جغرافية (غزة مثالاً)، أما الأردن فقد يكون الخاسر الأكبر وخاصة في حال أعيد فتح ملف الوطن البديل لتسديد فاتورة إسرائيل، وتبقى تركيا التي غامرت بكل ما لديها وخسرت كل أدواتها وسياستها الخارجية، وعلى الأغلب ستدفع ثمناً باهظاً لحماقة أردوغان وأحلامه العثمانية.
إذاً نحن أمام مرحلة جديدة من التفاهمات في المنطقة وعليها، ولا شك أن صمود سورية والسوريين كان العامل الأساسي في منع تقسيم المنطقة إلى دويلات متناحرة وطوائف تتقاتل، ومنع هيمنة الولايات المتحدة على كامل مساحة العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وفرض سياسة التوازن في القوى بين روسيا والولايات المتحدة من جهة وإيران ودول الخليج وإسرائيل من جهة ثانية.
ما بعد كامب ديفيد ينتظر ما بعد توقيع إيران للاتفاق النهائي نهاية حزيران، وآنذاك ندخل مرحلة التفاهمات التي يعلن من خلالها انتصار سورية.