«الوطن» تحاور وزير المالية عن موازنة 2023 … ياغي: الدعم الاجتماعي لم ينخفض بل زاد أكثر من 47 بالمئة وما تغيّر طريقة معالجته في الموازنة
| حاوره عبد الهادي شباط
كثيرة هي التساؤلات التي انبثقت من أرقام وتفاصيل الموازنة العامة للدولة لعام 2023 بعد إقرارها من مجلس الوزراء منذ أيام قليلة، ولعل أكثر الأسئلة إلحاحاً ما يتعلق بحقيقة انخفاض الدعم الاجتماعي، وإدارة العجز وطرق تمويل الموازنة بما لا يزيد من مشكلة التضخم القائمة في البلد.
وطرحت «الوطن» كل تلك التساؤلات وغيرها على وزير المالية الدكتور كنان ياغي، فكان الحوار الآتي:
• ما حجم الموازنة العامة لعام 2023 وكم تبلغ معدلات الزيادة فيها مقارنة بموازنة عام 2022؟
قدّرت اعتمادات الموازنة العامة للسنة المالية 2023 بمبلغ 16550 مليار ليرة مقابل مبلغ 13325 مليار ليرة عام 2022، أي بزيادة مقدارها 3225 ملياراً، وبنسبة 24,2 بالمئة.
وتوزعت اعتمادات مشروع موازنة عام 2023 إلى مبلغ 13550 مليار ليرة للإنفاق الجاري، مقابل مبلغ 11325 مليار ليرة لعام 2022 بزيادة مقدارها2225 مليار ليرة، نسبتها 19. 65بالمئة، ومبلغ 3000 مليار ليرة للاعتمادات الاستثمارية، مقابل مبلغ 2000 مليار ليرة في عام 2022، بزيادة مقدارها1000 مليار ليرة، نسبتها 50 بالمئة.
• كيف ستغطي وزارة المالية اعتمادات موازنة عام 2023 مع حالة الشحّ في الإيرادات العامة؟
تم تقدير الإيرادات العامة في مشروع موازنة عام 2023 بمبلغ 11690مليار ليرة، وبالتالي فإن إجمالي العجز المقدّر يبلغ 4860 مليار ليرة، بزيادة مقدارها742 مليار ليرة عن العجز المقدّر في موازنة 2022، بنسبة زيادة 19,65 بالمئة.
وتغطية هذا العجز ستكون بمبلغ 4059 مليار ليرة عبر القروض الداخلية من البنك المركزي (سندات خزينة)، ومبلغ 800 مليار ليرة عبر أوراق مالية حكومية مطروحة على المصارف العاملة في سورية، ومبلغ قرابة 590 مليون ليرة عبر قروض خارجية، علماً بأنه سيتم العمل على الحدّ من العجز وإدارته من خلال زيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق ضمن أولويات أساسية.
• ما أولويات الإنفاق وهل من معايير لتحديد هذه الأولويات؟
وضعت تقديرات الإنفاق في مشروع موازنة 2023 بناءً على عدة أولويات رئيسة، تتمثل بضمان استمرار دعم وتوفير المتطلبات الأساسية لقطاعات التربية والصحة والتعليم، ودعم النشاط الاقتصادي الحقيقي الداعم للنمو، وخاصة لقطاعي الزراعة والصناعة، مع توجيه الإنفاق العام بما يحقق التوازن الاقتصادي، وتحسين الإيرادات العامة للدولة وضمان استدامتها، واستمرار العمل على تأمين متطلبات الصمود لجيشنا وتحسين المستوى المعيشي وفق الإمكانات المالية المتاحة.
كما تم تحديد معايير لتحقيق تلك الأهداف والأولويات، وذلك من خلال توجيه الإنفاق العام نحو المشاريع ذات الأولوية والحاجة الفعلية، وتأمين متطلبات الجيش والقوات المسلحة وتوفير كل ما يلزم لتعزيز صموده، والاستمرار باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تحسين معيشة المواطن، وإعادة هيكلة الدعم وإيصاله إلى مستحقيه بما يعزز مفهوم العدالة الاجتماعية.
إضافة إلى مراعاة رصد الاعتمادات اللازمة للتعيينات من المسابقة المركزية، وتحسين الواقع الكهربائي بالقدرات المتوفرة لما له من أثر إيجابي على القطاعات كلها، لاسيما القطاع الصناعي والزراعي والسياحي، وإعطاء الأولوية لمتطلبات العملية الإنتاجية ولاسيما في القطاعين الصناعي والزراعي، وتوفير الدعم اللازم لهذه القطاعات بهدف زيادة الإنتاج وتأمين حاجة السوق المحلية، وتوفير فرص العمل بما ينعكس على الناتج المحلي وزيادة دخل الفرد.
وتضمنت المعايير أيضاً تشجيع الاستثمار وتذليل العقبات بما يدعم التوجه نحو الأنشطة الإنتاجية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة الموفرة لفرص العمل، والاستمرار ببرنامج دعم أسعار الفائدة لتخفيف أعباء وتكاليف حصول المنتجين على التمويل، وتعديل التشريعات الضريبية والعمل على الأتمتة الشاملة للإدارة الضريبية، وتطوير القطاع المصرفي والتأميني وتحديث القوانين الناظمة لها، والاستمرار بتنظيم وإدارة سوق القطع الأجنبي وتشديد الرقابة عليها وتعزيز برنامج الدفع الإلكتروني، والعمل على دعم الصادرات وتعزيز القدرة التنافسية لها، وتشجيع الاستثمار السياحي لما له من أهمية ومساهمة في الناتج المحلي الإجمالي وتأمين موارد بالقطع الأجنبي، والاستمرار بدعم النظام التعليمي ورصد الاعتمادات اللازمة لتطوير التعليم المهني ورفع جودة التعليم وربطه باحتياجات سوق العمل، ورصد الاعتمادات اللازمة لتوفير الأدوية والخدمات الصحية الجيدة.
• بمطالعة بسيطة، يتضح أن الدعم الاجتماعي انخفض بمعدل 12 بالمئة عن عام 2022، فما سبب ذلك؟ وما القطاعات التي شملها تراجع الدعم الاجتماعي؟
بدايةً، يجب التنويه إلى أن الدعم الاجتماعي يعالج بطريقتين: الأولى تتمثل برصد قسم من الدعم ضمن اعتمادات الموازنة العامة للدولة وهو الدعم المتعلق بالصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، صندوق دعم الإنتاج الزراعي، صندوق التخفيف من آثار الجفاف، صندوق التحوّل للري الحديث، الدقيق التمويني، السكر والرز والمشتقات النفطية.
هذا القسم الذي تتم معالجته ضمن اعتمادات الموازنة العامة للدولة، وقد رصد له مبلغ4927 مليار ليرة، مقابل 5529 مليار ليرة في عام 2022، أي بانخفاض قدره 602 مليار ليرة، نسبته 10. 8بالمئة، وهو لا يعني أبداً تخلي الدولة عن الدعم، وإنما يتعلق بدعم الدقيق التمويني، الذي ستتم تغطيته من خارج الموازنة، عن طريق القروض التي ستمنح لمؤسسة الحبوب من البنك المركزي.
أما الطريقة الثانية، فتتمثل بمعالجة الدعم من خارج اعتمادات الموازنة، وذلك ضمن إطار سلسلة التشابكات المالية بين مؤسسات الدولة، وهو المتعلق حصراً بدعم الطاقة الكهربائية، والمقدّر بحوالي 4412 مليار ليرة، مقابل 3652 مليار ليرة عام 2022، أي بزيادة نحو 21 بالمئة.
إذاً، الدعم الاجتماعي الإجمالي الذي سوف تتحمله الحكومة خلال العام القادم يقدّر بنحو 13565 مليار ليرة، مقابل 9181 مليار ليرة في عام 2022 وبالتالي فإن الدعم الاجتماعي الإجمالي لم ينخفض أبداً، بل ازداد خلال العام القادم بمقدار 4384 مليار ليرة، بنسبة 47,7 بالمئة، وهذا ما يؤكد استمرار الدولة بتقديم الدعم الاجتماعي للمواطنين.
بالنتيجة، الدعم الاجتماعي لم ينخفض، بل ازداد، لكن طرق معالجته تختلف ما بين اعتمادات ستصرف من الموازنة وقسم آخر عن طريق القروض، وقسم عن طريق التشابكات المالية.
• هل هنالك لحظ لزيادة الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية في اعتمادات الموازنة لعام 2023؟
في الموازنات السابقة لم يكن يلحظ بشكل مباشر اعتمادات مخصصة لزيادات الرواتب والأجور، على اعتبار أن الزيادات إذا أقرّت خلال العام؛ كانت تغطى من وفورات سائر أقسام وفروع الموازنة، أما في مشروع موازنة عام 2023 فقد تم تخصيص اعتمادات لأي زيادة بالرواتب والأجور يمكن أن تتم، أو لصرف منح مالية، وذلك ضمن الاعتمادات الاحتياطية الجارية، وهذا الأمر مرتبط بالإيرادات المحصّلة لخزينة الدولة وتحسن الواقع الاقتصادي.
• هل تجاري الزيادات في الموازنات الأخيرة وخاصة موازنة عام 2023 معدّلات التضخم؟
في الواقع لا يمكن وضع موازنات تجاري معدلات التضخم المرتفعة، لأن ذلك سيؤدي إلى تفاقم العجز، وهذه حالة عامة، فكثير من الدول تعاني من ارتفاع التضخم وارتفاع العجز في موازناتها، فكيف هي الحال إذاً في بلدنا الذي عانى من تداعيات حرب إرهابية منذ أكثر من 11 عاماً، ومن حصار وعقوبات اقتصادية قسرية أحادية الجانب جائرة مفروضة علينا، وفقدان منابع النفط، وانخفاض المساحات المزروعة من القمح نظراً لسيطرة العصابات الإرهابية والاحتلال الأميركي.
إذاً من غير الممكن أن تكون موازنة عام 2023 قادرة على مجاراة معدلات التضخم المرتفعة في البلد، ولو تمت مجاراة التضخم لوجدنا أنفسنا أمام تقديرات للموازنة بأكثر من 3 أضعاف الرقم الحالي، وبالتالي تفاقم للعجز والاضطرار إلى إصدارات للعملة من دون تغطية مقابلة لها، أو إنتاج سلعي حقيقي في الاقتصاد في ظل الحصار المفروض علينا، ما يعني تأجيج التضخم أكثر وأكثر، وعليه فإن وضع موازنة تجاري معدلات التضخم غير ممكن من الناحية المحاسبية، ومن ناحية قواعد وضوابط وأسس عمل السياستين المالية والنقدية.
• العديد من الجهات العامة لا تستثمر اعتماداتها السنوية، فما دلالات ذلك؟ وهل يتم تخفيض اعتماداتها في العام الذي بعده؟
بوضوح تام، هناك عدة أسباب حقيقية وراء عدم تنفيذ الجهات العامة لكامل خططها الاستثمارية وصرف اعتماداتها، من بينها العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على بلدنا، وتقلبات سعر الصرف وإحجام عارضين في بعض الأحيان عن التقدم بعروضهم، والأخطاء في دفاتر الشروط الفنية والمالية وعدم مطابقة المواصفات، إضافة للإمكانات المالية وضعف التمويل أحياناً.
وبالتالي، أثناء مناقشة مشاريع موازنات الجهات العامة للعام القادم، فإن وزارة المالية بالتنسيق مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي تأخذ في الحسبان تلك الأسباب، وتراعي ظروف وعمل وخصوصية وأهمية كل جهة على حدة، فبعض الجهات يتم تخفيض اعتماداتها والبعض الآخر تتم زيادتها رغم نسب التنفيذ المتدنية في ضوء أهمية عمل الجهة والأولوية العالية لمشاريعها المطلوبة للدولة، أي هنالك مشاريع مستمرة ذات بعد اقتصادي تنموي أو خدمي لا يمكن الاستغناء عنها أو تخفيض اعتماداتها.
• تحدثت «المالية» في أكثر من مكان عن دراسة لإصلاح طريقة عمل إعداد الموازنة، أين وصل الموضوع؟ وهل تم اعتماد طريقة جديدة لإعداد موازنة عام 2023؟
هناك أربع طرق عالمية لإعداد الموازنات، وهي الموازنة الصفرية، موازنة البنود، موازنة البرامج والأداء، والموازنة التعاقدية.
ولكل طريقة من تلك الطرق سلبيات وإيجابيات، ونحن في سورية نعدّ الموازنة العامة للدولة وفق طريقة موازنة البنود، علماً بأننا نطمح في وزارة المالية لاعتماد طريقة موازنة البرامج والأداء لكونها تختلف عن موازنة البنود من حيث التبويب المتّبع لقطاعات الدولة، وكذلك طريقة تقديم المؤشرات المادية والمالية، وحقيقةً قطعنا شوطاً مهماً هذا العام في إعادة النظر بتبويب الموازنة وفقاً للمعايير العالمية، والعمل على تطبيق موازنة البرامج والأداء على قطاع الصحة، ونعمل على ذلك بالتعاون مع وزارة الصحة، لكن الأمر يحتاج إلى الوقت.
الأهم من ذلك، أن وزارة المالية تعمل ضمن إطار مشروع الإصلاح الإداري على تطبيق مفهوم الإدارة المالية الحكومية المتكاملة، الذي يحقّق الربط المالي الكامل للجهات العامة مع وزارة المالية، ومؤخراً تم توقيع مذكرة تفاهم مع خزانة روسيا الاتحادية بهدف الاستفادة من أنظمة العمل المالية، والعمل على نقل تلك التجربة في ضوء ما يلائم ويطور عمل وزارة المالية في سورية.