ثقافة وفن

التطوّع.. عملُ هِمَمْ ورُقِيُّ أمَمْ

| بيان شواك

يعتبر العمل التطوعي من أبرز الظواهر الإنسانية، ولبنةً أساسيةً في بناء المجتمعات وتطورها وتنميتها، ونشر التماسك الاجتماعي بين الناس، ويلعبُ التطوعُ دوراً مهماً في عملية التغيير الاجتماعي. والمجتمع السوري في ظل ما يتعرض له من إرهاب وتدميرٍ ممنهج، باتَ ضحية الأزمات المتتالية عبر خمس السنين الماضية، وأضحى المواطن السوري مثقلاً بالأعباء، ليكون دور «العمل التطوعي» منظماً وداعماً أساسياً في سير الأعمال المؤسساتية ومساعدة الناس.

وقد ارتبط التطوع منذ الأزل ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير، والمساهمة بدورٍ مهم في دفع عجلة التغيير والتطور الاجتماعي نحو الأمام، واليوم، أصبح مفهوم «العمل التطوعي» عنواناً بارزاً في تقدم الدول وتطورها. ومما لا شكَّ فيه أن للإعلام دوراً رئيساً في دعم وتطوير العمل التطوعي، بتسليط الضوء على الحاجة له ودوره الفعَّال في المجتمع، والتأكيد على الدوافع والخلق النبيل والقيم الثقافية للعمل التطوعي والترويج المستمر لها، وتحفيز أصحاب القرار لدعم العمل التطوعي بجميع أشكاله وتطويره، وإبراز نشاطات العمل التطوعي بشكلٍ مستمر، وتعزيز القيم الاجتماعية بين الأفراد والمسؤولية تجاه المجتمع لخلق روح التعاون بين الأفراد، وهذا بدوره يساهم بغرسِ قيمٍ اجتماعيةٍ وإنسانية جميلة تزيدُ من لحمة المجتمع بمكوناته كافة.
وتتجلى صورُ التعاون والتطوع بأشكالٍ عدةٍ، كالتبرع بالوقت أو بالخبرة المهنية أو من خلال التبرع بالمال لقضايا واضحة ومحددة. ولا يهدف المتطوع إلى تحقيقِ مقابلٍ ماديّ، بل هو منهجٌ إنسانيٌّ واجتماعي يمنحُ الفردَ شعورَ الانتماء، وتحمُلِ بعضِ المسؤوليات التي تسهِمُ في تلبية احتياجاتٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ، ويرتقي بالأفراد البشريةِ باعتباره رمزاً للتعاون بين الناس بمختلفِ مؤسساته الخاصةِ منها والعامة.
ولا يعدُّ التطوع ظاهرةً آنية في المجتمع السوري، مقتصرةً على الأزمات والحروب فقط، بل يعتبر ركيزةً أساسيةً وثقافة متجذرة ومتأصلة بين الناس، فمنذ القديم يساعدون بعضهم بعضاً في بناء المنازل، ومساعدة الأرامل والأيتام والفقراء، ويقدمون لهم كل ما يحتاجون إليه من عونٍ ومساعدةٍ ودعمٍ بجميع أوجهه. فـ«سكبة الطعام» على سبيل المثالِ لا الحصر، أبسط حالات التطوع والتعاون في البيئة السوريَّة كي لا يبيت إنسان جائعاً قط. ومع مرور الوقت وتضخم الحاجات والمسؤوليات، لامست المبادرات الفردية وبرامج المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات في مختلف القطاعات قضايا البطالة والفقر والمساعدة ودخول قطاعات التعليم والصحة وتوفير المسكن، وتحويل البرامج الريادية إلى إنتاجية. ومن هنا نؤكد أهمية تركيز شركات القطاع الخاص بمختلف أطيافها على المبادرات التي تحدث فرقاً وتأثيراً ذا مدىً بعيد سواء في المجتمع أو حياة الفرد الاجتماعية أو الاقتصادية. ولا ننسى أهمية توسيع نطاق مفهوم «التطوع» ليشمل موظفي الشركات ومؤسسات القطاع الخاص، وتعزيز مساهمتهم ذاتياً في التنمية الاقتصادية للمجتمعات.
واليوم، علينا مضاعفة السعي الدؤوب صوب هذا العمل النبيل، وتفعيل ثقافة العمل التطوعي في مجتمعنا بين جميع فئاته، فتعزيز ثقافة العمل التطوعي، مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق المؤسسات الاجتماعية من الأسرة والمدرسة، مروراً بمؤسسات التعليم العالي ووسائل الإعلام، إلى جانب المنظمات الأهلية والحكومية، وهذا بدوره يجعل العمل التطوعي أكثر استمرارية وليس مقتصراً على الفعاليات والنشاطات فقط، بل دافعاً ذاتياً لدى الأفراد يلبي حاجة الوطن والمواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن