أصبح من الواضح بعد ثمانية أشهر تقريباً على استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكل تطوراتها المتلاحقة، أن عدداً كبيراً من الدول يشارك في الحرب مع الجيش الأوكراني بقدراته العسكرية والدعم اللوجستي والمالي بهدف هزيمة الجيش الروسي، فهناك ثلاث دول كبرى هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ودول لا تقل أهمية عنها مثل ألمانيا وإيطاليا وبولندا، تحارب الجيش الروسي ليس بقواتها على أرض أوكرانيا بل بكل تقنياتها الحربية المتنوعة ذات الاختصاصات المختلفة، وبكل وكالاتها الاستخباراتية الموظفة ضد روسيا على أرض أوكرانيا، ومن دون أن تتمكن من إيقاف الإنجازات الحربية الروسية على الأراضي الأوكرانية، وهذا يعني أن كل ما قدمته هذه الدول من أسلحة وذخائر وصواريخ ومضادات دفاعية وطائرات ومعلومات استخباراتية، لم تغير من ميزان القوى الذي تفرض روسيا كفته الراجحة بقدراتها كدولة واحدة في هذا الشكل من المجابهة مع دول كبرى لديها مصانع ذخائر ومعدات عسكرية تفوق حجم ما تمتلكه روسيا لوحدها، ولا شك أن هذه النتائج التي ولدتها روسيا في هذه الحرب الأولى من نوعها على هذه الدول الكبرى الغربية، ستفرض عليها بعد مرور ثمانية أشهر، واحداً من خيارين إما اللجوء قريباً إلى الدعوة لمفاوضات على إيقاف الحرب وإما إلى الاستمرار بحرب باردة ضد روسيا بعد انهيار الجيش الأوكراني ومناشدته لإجراء مفاوضات من موقع مهزوم، وعند ذلك لن يكون بمقدور الولايات المتحدة بالذات منعه من السير في طريق التفاوض، ولذلك يعتقد عدد من المحللين في الولايات المتحدة وأوروبا أن الحرب الجارية الآن بين الغرب وروسيا على الأراضي الأوكرانية من المحتمل ألا تستمر أكثر من سنة أخرى وخاصة بعد أن أرسلت واشنطن الدفعة رقم 24 من الأسلحة والمعدات العسكرية قبل أيام وبعد أن أنفقت عشرات المليارات لوحدها على تسليح الجيش الأوكراني ودعمه مالياً للاستمرار بالحرب، وهذا الاحتمال ربما تظهر مؤشراته الأولى في الأشهر الثلاثة المقبلة وشتائها البارد جداً على أوكرانيا بشكل خاص.
مجلة «هارفارد غازيت» ذكرت الشهر الماضي على لسان المراسل الرفيع المستوى لوكالة «بي بي سي» في موسكو فيليب شورت أن الغرب كان يعول على إضعاف جبهة روسيا الداخلية بتظاهرات واعتراضات خاصة حين دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حشد المزيد من المجندين لكن المسألة مرت من دون متاعب داخلية عليه.
الحقيقة أن ما ولدته الحرب الغربية الأطلسية – الأميركية على الأوضاع داخل عدد من الدول، لم تكن حكومات الغرب تتوقعه، فقد احتشد في شوارع براغ عشرات الآلاف من المتظاهرين ونددوا بمشاركة تشيكيا بالعقوبات على روسيا، وطالبوا بإسقاط الحكومة، وفي عدد من مدن فرنسا احتشد عشرات الآلاف ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والغلاء وارتفاع الأسعار الذي تسبب به نتيجة عقوباته على روسيا، وبالإضافة إلى ذلك انتقدت فرنسا وألمانيا الرئيس الأميركي جو بايدن لأنه زاد من قيمة الفائدة في بلاده فبدأت أموال المستثمرين في الدولتين تنتقل إلى الولايات المتحدة لتحقيق الأرباح على حساب اقتصاد الدولتين، وبهذا الشكل نتج عن مراهنة أوروبا على تخريب الاقتصاد الروسي، خراباً اقتصادياً استغلته الولايات المتحدة لمصلحة بنوكها بعد زيادة قيمة الفائدة وانتقال أموال أوروبية لأميركا.
هذه العوامل السلبية، قد تتفاقم نتائجها بين الدول الأوروبية وبين الولايات المتحدة إضافة إلى ما سوف يولده موقف الرأي العام المتذمر من سياسة حكوماته تجاه الحرب في أوكرانيا من أزمات داخلية في عدد من دول أوروبا، ولذلك لا يعتقد الكثيرون بأن الحرب في أوكرانيا ستطول أكثر من سنة واحدة يكون الجيش الأوكراني أثناءها قد تكبد المزيد من الخسائر البشرية والدمار الاقتصادي.
في النهاية لا أحد يتوقع أيضاً أن يقع تصعيد يضع كل من واشنطن وموسكو على حافة حرب نووية، لأن خسارة الولايات المتحدة في حرب الأسلحة التقليدية الجارية على الأراضي الأوكرانية، لن تؤدي إلا إلى التمهيد لحرب باردة جديدة تعتقد واشنطن أنها ستستعيد بوساطتها ما خسرته في حربها ضد روسيا في أوكرانيا، لكنها ستدرك أن العالم لن يعود بعد هذه الحرب إلى ما كان عليه بالنسبة لهيمنتها وقطبيتها الأحادية.