اقتصاد

لأنني أحب الحقيقة وأحبكم أقول: معضلة الميتافيرس

| بقلم: طلال أبو غزالة

لقد ناقشت في الماضي المعضلة التي قد تنتج عن الدعوات لإنشاء الميتافيرس، أي تدعيم لعوالمنا المادية من خلال تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز لإنشاء واقع جديد يعيش فيه الجميع. ففي حين أن فكرة الواقع المعزز بشكل عام لها مزاياها، يبدو أن الحوار الحالي حولها تهيمن عليه تطلعات ورؤية مارك زوكربيرج لما يجب أن يشمله مستقبلنا الرقمي على وجه التحديد. فقد أنشأ زوكربيرج العلامة التجارية الجديدة «ميتا»، وتعهد بإنفاق 10 مليارات دولار أميركي لبناء نسخته من الميتافيرس مدعياً أن «ميتا» ستطور أسرع كمبيوتر خارق في العالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي.

إن مخاوفي بشأن هذا الأمر متعددة الجوانب، بما في ذلك المخاطر التي حددتها ابنتي جمانة، المبتكرة وصاحبة براءات الاختراع والكاتبة المتخصصة في التكنولوجيا ومؤسسة منظمة Pivot For Humanity غير الربحية، في مقال نشرته على موقع Medium. com.

في المقال، سلطت جمانة الضوء على أن الميتافيرس الذي يُنشئه زوكربيرج سيحول الحياة إلى لعبة، مما سيشجع الإدمان على هذا العالم الجديد. لسوء الحظ، ولكن كما هو متوقع، فإن التظاهر بأن حياتنا في المنزل، وعلاقاتنا، وعملنا وكل شيء آخر مجرد لعبة سيؤدي حتماً إلى الانفصال عن الواقع، مما يترك كلاً منا يعيش في الميتافيرس الخاص به، والمخصص بالكامل لعاداته، وما يحبه، وصفحاته الشخصية على الإنترنت.

إن انغماس الأفراد في نسختهم الغامرة من الميتافيرس سيؤدي إلى أسئلة وجودية جدية حول الوجود البشري، والأعراف الاجتماعية والمجتمعية ومفهوم المجتمع ذاته. إذا كان الجميع سيعلقون في الميتافيرس الخاص بهم في حالة تشبه «الغيبوبة»، فهل ستكون الأجيال المستقبلية، «مدمنة الميتافيرس»، قادرة على التعامل مع مواقف الحياة الواقعية، بل أبسط الأشياء مثل التخلص من القمامة؟

تناقش جمانة ترويج الميتافيرس لمفهوم يسمى البُعد الزمني، فوفقاً لها:

«البُعد الزمني، كفلسفة، ينص أساساً على أن الشيء الوحيد المهم هو الحفاظ على استمرارية الجنس البشري – وليس بقاءه فقط، بل استمراره في التقدم… البُعد الزمني يقلل من شأن الأخطار الحقيقية والحالية، ويرفض المستقبل المنظور، ويقلل من شأن أي شيء ليس مروعاً حرفياً باعتباره مجرد مطب على طريق المستقبل الأكثر تطوراً».

هذا احتمال مخيف حقاً، حيث يتمثل الهدف في إبقاء الناس «على قيد الحياة فقط» حتى يتمكنوا من مواصلة وجودهم في الميتافيرس، بدلاً من عيش حياة كاملة كبشر في العالم الحقيقي والتعامل مع التحديات التي تشكل تهديداً حقيقياً لوجودنا، بما في ذلك الميتافيرس نفسه!

لا يوجد سبب يحول دون تحويل الميتافيرس إلى مكان إيجابي ليكون امتداداً لواقعنا، ولكن يجب القيام بذلك الآن باستخدام التفكير المتعمد مع تدخلات من شركات التكنولوجيا والهيئات التنظيمية في أثناء تطويره الأولي؛ وألا يُترك شيء للأهواء أو المصادفات.

إن الميتافيرس قادم لا محالة، وعلينا التأكد من أنه مبني بطريقة تعاونية بحيث لا تهيمن عليه رؤية متحيزة لشخص واحد، ولا يتسبب في مزيد من الانقسامات، وأن يكون بيئة صحية ومنظمة لها حدود معينة لمساءلة المطورين والمالكين عن سلامة الأشخاص داخل البيئات الرقمية التي يقدمونها.

على هذا النحو، أعتقد أنه من المهم توحيد جهود الشركات العاملة في هذا الفضاء معاً لتطوير ميتافيرس متكامل، وليس مساحات منفصلة؛ فالتعاون أفضل من العمل المنفرد، وهو أمر قد يخفف من بعض الآثار السيئة التي قد تسببها الرؤية المنغلقة لشخص واحد فقط.

مع وجود متخصصين في التكنولوجيا صريحين مثل جمانة، أعتقد أن مستقبل الإنترنت والميتافيرس وغيرها من التقنيات في أيد أمينة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن