دائماً ما تُتَّهم الحكومات حول العالم بالبحثِ المستمر عن الطريقةِ التي تفرض فيها المزيد من الضرائب لضمان إيراداتٍ إضافية لخزينةِ الدولة، هذا الأمر عندَما يحدث في سورية مثلاً أو دولة ثانية تعاني أزمة ما يبدأ التململ الشعبي وهذا مفهوم، لكن ما ليس مفهوماً اعتقادَ البعض أن الأمر حكر على الدول الفقيرة أو تلكَ التي تعاني الأزمات، في فرنسا مثلاً شكَّلت الضريبة المتعلقة باستخدام التلفاز مثارَ سخريةٍ للفرنسيين، تحديداً أن نفي المواطن لاستخدامه لم يعد ينفع معَ العالم الرقمي، إما لأن شراء التلفاز والحصول على الفاتورة الرسمية سيجعلها تُرسل مباشرةً إلى الجهة المخوَّلة أو لأن الاشتراك الشهري بخدمة الهاتف والإنترنت يتضمن قنوات تلفزيونية، في السابق كانت الحكومة تبررها من مبدأ دعم الميزانية الخاصة لوسائل الإعلام المملوكة من الدولة، لم يكن المبلغ في السابق يشكِّل عائقاً أمام من يدفعهُ لكن بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومعرفة المبالغ الخيالية التي يتقاضاها مقدمو البرامج، إضافة للانخفاض الحاد بالقوة الشرائية للمواطن كلها أمور جعلت من هذا المبلغ مهماً لا يريد دفعه ليتقاضاه إعلامي مشهور!
اليوم لم يعد البحث عن مصادر تمويل إضافية هي اختصاص حكومي، بل تعدتها لشركات تحمل عملياً صفةَ دولٍ مستقلة لكونها تقدم خدمات مجانية يستفيد منها ملايين الناس عبر العالم كان آخرها ما أعلنهُ رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك الذي استحوذ على منصة تويتر بأنهُ سيجبر كل مستخدم يمتلك حساباً موثَّقاً على دفع مبلغٍ معيَّن لقاء هذه الخدمة يختلف حسب الدولة المُسجل فيها حسابه، كلام ماسك تخلله الكثير من التنظير والشعارات فهو اعتبر المبلغ نوعاً من المساواة بين الجميع لأن امتلاك العلامة الموثقة مجاناً يجعل نظام تويتر كأنه نظام يقسِّم الناس إلى فئتين غير متساويتين، لكن الإطار الأهم الذي تحدث عنه ماسك في إطار تسويغ الفكرة أن ما سيتم تحصيلهُ من أموال سيتم دفع جزء كبير منه لصنَّاع المحتوى الأكثر فاعلية، قد يكون ماسك صادقاً في توجهاتهِ، تحديداً أن منصة تويتر تعتبر من أقل المنصات صناعة للتفاهة قياساً بـ«فيسبوك» و«تيك توك»، لكن الأخطر في كلامهِ هو عدم تحديد نوعية المحتوى وبمعنى آخر ستصبح صناعة التفاهة مأجورة، وإن كنا لم نستطع الوقوف بوجهها على الأقل لنحاول تقليم أظافرها.
في الخلاصة: دعونا نتفق بأن فكرة مجانية كل شيء بدأَت تتساقط، البقاء هي لفكرة الأخذ من الغني لدعم الطبقات الأكثر فقراً، حتى أولئك الذين يَجنون أموالاً طائلة لقاء محتواهم التافه على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى المشاهير في عالم الفن والغناء هل فكرنا فعلياً بفرض ضرائب على عائداتِهم بدلاً من ملاحقة فقيرٍ حصلَ على جهازِ هاتف كهدية من قريبٍ له في المغترب؟ الاستثمار الرقمي والفكري أهم من الاستثمار بالنفط والغاز وأكثر استدامة، كمثال هناك إحصائيات تقول إن شركة آبل دفعت في عام 2018 أكثر من 30 مليار دولار كضرائب عن أموالها المُستثمرة في الخارج والتي تجاوزت 250 مليار دولار، ترى كم نسبة هذا المبلغ تجاه إنتاج دول الخليج العربي مجتمعة من النفط؟! هل لنا أن نقرأَ هذه المتغيرات بالكثير من الواقعية عندما نقرر فعلياً أي سورية نريد في المستقبل؟