قبل أيام وردني نص لحديث الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي جين بينغ في اجتماعات المؤتمر الوطني العشرين الذي عقد مؤخراً في 16/10/2022، ولأن اسم الرئيس الصيني لم يكن موجوداً في أعلى النص فقد اعتقد كثير من الأصدقاء الذين أُرسل لهم النص أنه يرتبط بالواقع في سورية، وبحزب البعث! وليس الحزب الشيوعي الصيني، وسأستعرض هنا أهم النقاط الواردة في هذا النص للتذكير، وأقتبس هنا:
1- الإدراك الملتبس لأهمية التمسك بقيادة الحزب، والافتقار للعمل القوي بهذا الشأن.
2- مشاكل إضعاف قيادة الحزب، وإفراغها من مضمونها أثناء ممارستها.
3- تردد بعض أعضاء الحزب، وكوادره، في الالتزام بالعقيدة.
4- بروز ظواهر الشكلية، والبيروقراطية، ونزعات المتعة والبذخ والتبذير في بعض المناطق والقطاعات رغم حظرها مراراً.
5-عقلية الامتيازات الشخصية، وظواهرها أصبحت خطيرة نسبياً، وبات بعض مشاكل اختلاس الأموال العامة فظّاً ومريعاً.
6- بروز مشاكل خطيرة مثل: تجاهل القانون، أو تنفيذه بشكل متراخٍ.
7- ضعف الثقة الراسخة بالنظام السياسي للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.
8-مشاكل في الآليات، والحواجز الناجمة عن المصالح المكتسبة غير المنصفة يوماً بعد آخر.
9- ظهور اتجاهات فكرية خاطئة بين فترة وأخرى مثل: عبادة المال، ونزعة المتعة، والفردية المتطرفة، والعدمية التاريخية. انتهى الاقتباس.
من علقوا على هذا النص كتبوا لي ما يلي:
ماذا يقصد الرفيق شي جين بينغ؟
آه.. لو كان هذا التحليل عن واقعنا؟
هناك تطابق غريب مع ما يجري لدينا؟
هل يقصد الرفيق شي الواقع في حزب البعث، وليس الحزب الشيوعي الصيني؟
الحقيقة أن ما ورد في النص الصيني، وتحليل الواقع لديهم، يكشف عن جرأة واضحة، والجرأة هنا ليس هدفها «نشر الغسيل الوسخ» كما يتحدث البعض، وإنما تحليل الظواهر بدقة وشجاعة من أجل معالجتها قبل أن تستفحل، وتتحول إلى أمراض مستعصية، وهذه الطريقة في المعالجة هي طريقة علمية وموضوعية، ومن يقرأ بعناية خطابات وكلمات الرئيس بشار الأسد سيجد أن النهج نفسه، والعقلية في تحليل الظواهر السلبية لدينا هو السائد، وأن الرئيس الأسد دائماً ما يؤكد على ذلك، وهنا يطرح السؤال الكبير: أين تكمن المشكلة إذاً؟
المشكلة هنا أن التغيير يحتاج إلى أدوات، وحوامل مؤمنة وجريئة وشجاعة، تضع مصالح الناس قبل مصالحها الشخصية، وتكون قدوة اجتماعية وفكرية، وسياسية للكثير من أبناء شعبنا، هذا جانب مهم يُطرح في كل الأوساط الشعبية حالياً.
ومع اقتراب موعد انعقاد اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، فإن كثيراً من هذه الأسئلة تصبح ملحّة وضرورية، خاصة مع الضجة التي رافقت انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة، والعودة لطرح السؤال الكبير: هل الديمقراطية هي المخرج لنا في ظل تبعات الحرب الكبيرة علينا، سياسياً واقتصاديا واجتماعياً! أم لابد من ابتكار آخر يجمع ما بين الانتخابات والتعيين؟ وخاصة وأن تطبيق مبدأ الانتخابات داخل صفوف حزب البعث كان له سلبيات وإيجابيات؟ والمشكلة لدينا هي دائماً في التطبيق وليس في النظرية، هذا جانب، والجانب الآخر هو ضرورة حسم مسائل تنظيمية وفكرية، منها:
1- علاقة الحزب بالسلطة.
2- دور الحزب الاجتماعي.
3- القضايا الفكرية الأساسية داخل حزب البعث.
4- من سيقود التغيير وكيف؟
5- هل نحن بحاجة لمطولات فكرية- مقدسة، أم لمبادئ عامة نلتزم بها، والأهم: برامج سياسية اقتصادية اجتماعية يصوت الناس عليها، ونحاسب عليها، وتكون قابلة للقياس والتنفيذ والمساءلة، وليس نصوصاً إنشائية، لا يمكن مساءلة أحد عليها.
6- معالجة الكثير من الظواهر السلبية داخل الحزب والمجتمع، والقول إن المنصب «تشريف» كما قال الرئيس الأسد عشرات المرات، وليس امتيازاً شخصياً لأحد.
إن الإشكالية الأساسية ليست في الانتخابات أو ممارسة الديمقراطية، إنما في الأدوات والوسائل، والثقافة المطلوب تعزيزها، وكذلك في إرساء ثلاث قضايا مهمة:
1- المساءلة والمحاسبة، ودون ذلك لا قيمة للانتخابات.
2- الثواب والعقاب، الثواب لمن يحقق قصص نجاح تنعكس على المصلحة العامة، والعقاب لمن لا يعمل ويفشل ويضيع الوقت علينا.
3- البرامج الواضحة القابلة للتطبيق.
4- إدارة الانتخابات ضمن فترات معقولة، وليست سريعة كما يحدث عادة لدينا، وهذا يحتاج لأدوات ووسائل علمية، فالانتخابات تدار باحترافية، ولا تترك بأيدي الناس.
5- تعزيز ثقافة النقد الذي يقوم على دعامتين أساسيتين هما: «العلمية، والموضوعية» بعيداً عن الشخصية.
6- التدقيق الصارم في الشخصيات المرشحة بحيث تتمتع بالمقبولية الاجتماعية والسياسية، وأن يكونوا من ذوي التأثير.
7- جزء من التحضير المسبق يكون بالحوارات، والحملات الإعلامية، والعمل على الأرض مع الناس والمجتمع.
لا يستطيع أي متابع موضوعي القول إن حزب البعث ليس قوة سياسية أساسية في سورية، ولكن المطلوب منه باعتباره كذلك، الكثير من الأشياء التي ذكرنا قسماً منها، وهي قضايا للنقاش والحوار، وليست محسومة تماماً، لكن نحتاج للجرأة في طرحها، لأن الناس تنتظر من حزب البعث الكثير من التغييرات الإيجابية التي يرى كثيرون أن لها منعكسات وطنية، وخاصة أن التحديات أمام المواطن السوري ليست تحديات حزبية، إنما تحديات من يعمل لخدمته، وتحسين واقعه وصنع الأمل له في المستقبل، وحزب البعث هو أحد القوى القادرة وليست الوحيدة لفعل ذلك.
ما هو مطروح أمام اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث هو خطوة في مسار للإجابة على أسئلة وقضايا مهمة، وأعتقد أن التفكير العميق والجماعي في ما طرحناه من أسئلة والتحديات التي تواجه بلدنا، ومجتمعنا ستدفعنا لإنتاج حلولٍ جديدة يفترض بها أن تأخذ من تجارب الصين والغرب وغيرها، ولكن بنكهة سورية، فالديمقراطية ليست نسخة محتكرة لهذا البلد أو ذاك، كما الاشتراكية، فالبعض فهم الديمقراطية على أنها نموذج انغلوساكسوني، والاشتراكية نموذج ماركسي، وكلا الطرحين ليسا صحيحين، لأن الإبداع المحلي هو الأهم، فالمجتمعات الإنسانية تتشابه في العديد من الظواهر، لكنها ليست متشابهة في تركيبتها، وخصوصياتها التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأن الخطورة هي في تقليد الآخرين من دون وجود روح وخصوصية وطنية.
المستقبل لن يصنعه لنا أحد، إنما سيصنع بأيادي المخلصين والأوفياء والمناضلين الحقيقيين، وأنا على ثقة بأن البعثيين، وكل الوطنيين السوريين هم مستعدون لهذه المهمة الشاقة والصعبة، شرط أن نركز على القيم الفكرية المشتركة والوطنية الجامعة، وهو أمر عاجل وضروري، فالديمقراطية والانتخابات هي وسيلة لغاية، وليست غاية بحد ذاتها، ودون محتوى فكري- نضالي يهدف لخدمة الناس، تتحول إلى كرنفال شكلي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والتشرذم، وهو أمر لابد من مواجهته بكل قوة وشجاعة إذا أردنا صنع مستقبل مزدهر لنا ولأبنائنا.