انتخابات التجديد النصفي بين «تحرير» إيران وتحرر الحلفاء.. عندما يفقد الحدث قيمته!
| فراس عزيز ديب
للمرة العشرين خلالَ ولايتهِ الرئاسية، يضطر البيت الأبيض لتصحيحِ أو تصويب تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بشَّرَ من يحتج في إيران بأنهُ قادم لتحريرهم ربما على طريقةِ الاحتلال والغزو المباشر كما حدثَ في العراق وأفغانستان أو غير المباشر كما حدثَ في ليبيا، فقد وضعَت تصريحاته الأميركيين في حرجٍ لكونها تؤكد الرواية الرسمية الإيرانية بتورطِ الخارج فيما يجري، بل ربما ورطت حتى المحتجين أنفسهم بما ليسَ لهم به علم، لكن منذُ متى كان رجال السياسة الأميركية يُحرجونَ من تورطهم هنا وهناك؟! تحديداً بعد ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب التي عرَّت في العلَن الولايات المتحدة كقاتلٍ مأجور لا أكثر؟
لكن بواقعيةٍ تامة وبعيداً عن الزهايمر السياسي للرئيس بايدن، يبدو كأن الديمقراطيين يضطرون اليوم للعبِ بورقةِ التصريحات حتى النفس الأخير قبيل انتخابات التجديد النصفي بعدَ غد، وهي التي فيما يبدو كأنها معركة كسر عظم بالنسبةِ لهم مرتبطة بعدةِ ملفاتٍ شائكة:
أولاً: الحرب الأوكرانية
«إذا فاز الجمهوريون بانتخاباتِ التجديد النصفي لن تحصل أوكرانيا على فلسٍ واحد»، هذه التصريحات للنائب في الكونغرس الأميركي مارغوري تيلور غرين، هذه الدعوات المرتفعة لوقف تمويل حرب «المهرج» فولوديمير زيلينسكي، كما يصف بعض الأوروبيين الرئيس الأوكراني، لا تأتي انطلاقاً من نبذِ الحروب لكنها تأتي انطلاقاً من نظرية الانكفاء نحو الداخل الأميركي التي أطلقَها الرئيس السابق دونالد ترامب تحت شعار «بلدنا أهم»، تصريحات تكشف لنا أيضاً حجم الانقسامِ الكبير الذي تعانيهِ الولايات المتحدة حيالَ الحرب في أوكرانيا، حيث يرى الطرف الآخر بمن فيهم مسؤولون سابقون بمختلف التوجهات السياسية أن ما يجري انخراط تدريجي للولايات المتحدة قد يؤدي إلى مواجهةٍ مباشرة لا مصلحة لأحدٍ بحدوثِها وتحديداً أن هزيمة الروس اقتصادياً بدت مستحيلة، على هذا الأساس فإنَّ خسارة الديمقراطيين ستعني حكماً عدمَ قدرتهم على التحكم بالملف الأهم، بل لو نظرنا إلى حجم التورط الأميركي في هذه الحرب لسلَّمنا ببدهية أن الديمقراطية الأميركية في النهاية هي وسيلة لسحبِ المنهزِم في المعركة كي لا تسجَّل الهزيمة ضد الروس في أوكرانيا باسم الولايات المتحدة الأميركية، بل باسم خيارات الحزب الحاكم لا أكثر.
ثانياً: العلاقة مع الأوروبيين.
إذا ما استثنينا فرنسا حالياً التي يصرّ ساستها على التمترسِ خلف المغامراتِ الأميركية ما يعني استنفاد ما تبقى من مدَّخرات لدى المواطن الفرنسي، فإنَّ باقي الدول الفاعلة بدأت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بالخروج من العباءةِ الأميركية وإن كان الأمر قد يستغرق بعض الوقت، إيطاليا بدَّلت جلدها السياسي بالكامل، اليونان كانت ولا تزال أكثر توازناً، إسبانيا لم تتورط بتصريحاتِ رفع السقف، لنصلَ عند الدولة الأهم أوروبياً، ألمانيا.
زارَ المستشار الألماني أولاف شولتس الصين للقاءِ الرئيس شي جين بينغ، زيارة هي الأولى لمسؤولٍ بهذا الوزن منذ حدوث أزمة فيروس كورونا لكنها في سياقٍ آخر لاقت استهجاناً كبيراً من حلفاء شولتس في الداخل والخارج والذريعة دائماً، كما هي، جملة من الأكاذيب المتعلقة بملف حقوق الإنسان في الصين كأنَّ من يستعمِر دولاً ويغزوها لينهب خيراتها يحق له أن يحاضر في حقوق الإنسان!
كانت ألمانيا ولا تزال البلد الأكثر تضرراً من جحيم الحرب الأوكرانية وتحديداً أن صناعاتها الأهم ترتكز على الطاقة الروسية التي تبدو منخفضة التكلفة وتصنيع متممات الصناعات الكبرى في الصين بسبب رخص اليد العاملة والخبيرة، هذا يعني أن الاقتصاد الألماني اليوم فقدَ جناحيهِ لذلك لا تبدو الزيارة بشكلها العام مجردَ تعميق العلاقة مع الجناح الأول لأن بقاء الثاني معطوباً لن يحل المشكلة، على هذا الأساس يرى كثر من منتقدي الزيارة أنَّ شولتس سعى لتوسيط الرئيس الصيني بينهم وبين الروس، هناك من يذهب أبعدَ من ذلك ليقول إن اللقاء بالرئيس الصيني هو الوجه الآخر للقاء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهل بدأت الصحوة الأوروبية فعلياً تأخذ مسارها المنطقي أم إننا سنشهد قريباً تظاهرات واحتجاجات قد تصل إلى اهتزازاتٍ أمنية في الداخل الألماني رداً على الخروج من العباءة الأميركية؟ كل الاحتمالات واردة تحديداً إذا ما عرفنا أن القضية لم تعد تتعلق بروسيا والصين فحسب، هل بدأ الطليان يفكرون بإعادة فتح سفارتهم في سورية؟ هل سترتفع المطالبات أكثر بإعادة التواصل مع ما يسمونه «النظام السوري»؟!
ثالثاً: عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة
لا نعلم صراحةً ماذا يعني قول البعض إن بنيامين نتنياهو حقَّقَ المفاجأة وعادَ إلى السلطة؟ ما حدثَ هو مفاجأة عند من يعتقدون فعلياً أن الانقسامات السياسية في الكيان هي بين اليسار التقليدي واليمين التقليدي، الصورة في الكيان المسخ ليست بهذه السطحية، وهل كل من سمى نفسهُ يسارياً كان كذلك؟ بعض من يساريي ثورة الإجرام السورية رفعوا السلاح أكثرَ من مرة في خندقٍ واحد مع رافعي شعار «بالذبح جيناكم»! ما حدث هو مفاجأة عند من يجهَلون عقلية المجتمع الصهيوني الذي يلتفت نحو الأكثر إجراماً عندما يشعر بأنَّ وجودهُ في خطر، على هذا الأساس بدا الكيان بحاجةٍ فعلية إلى شخصٍ بالمستوى الإجرامي الذي يتمتع بهِ بنيامين نتنياهو فكانت عودتهُ خبراً غير سار للإدارةِ الديمقراطية في الولايات المتحدة.
هناك من يقول: ما الذي يستطيع نتنياهو فعلهُ إذا كانت الولايات المتحدة غير راضية عن ذلك؟
في الإطار العام يلتقي بنيامين نتنياهو مع خصوم الإدارة الديمقراطية الحالية بمسألتين أساسيتين: الأولى هي رفض كل ما لهُ علاقة بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، هذا الاتفاق الذي تعول عليه الإدارة الأميركية كإنجازٍ يُحسب لها على غرار الاتفاق السابق 2015، لكن حتى هذا الإنجاز قد يأتي اليوم وعلى طريقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب 2017 ويلغيه ما دامت الضمانات غير كافية، بالسياق ذاته يرى الجمهوريون أنَّ الفرصة سانحة اليوم لتجاهل الاتفاق مع إيران وعدم الاكتراث أساساً للمفاوضات بانتظار ما ستؤول إليه الاحتجاجات في إيران، لكن حتى هذهِ الفكرة تبدو عقيمة ثم من قال إنَّ كل من يخرج في إيران للتظاهر يعترف بالكيان المسخ؟ قبل ذلك مطلع عام 2018 خرج نتنياهو بفيديو ليعلن تأييدهُ للتظاهرات في إيران فما كانت النتيجة؟ هناك من انسحب من الشارع كي لا يكون لعبة بيد نتنياهو.
المسألة الثانية هي فكرة توجيه ضربات عسكرية للمواقع الإيرانية، مبدئياً يبدو نتنياهو أجبن منَ القيام بعمل كهذا ولو كان قادراً لفعلها خلال سنوات حكمه الطويلة عندما كان البرنامج النووي الإيراني يحبو، حيث يدرك نتنياهو أنَّ الرد سيُشعل المنطقة بالكامل ويدرك أيضاً أنَّ دولاً كثيرة لا تروق لها السياسة الإيرانية لكنها حكماً لن تكون في صف الإسرائيلي ضد إيران بعكس ما يشيع البعض، أما توكيل الولايات المتحدة بذلك وتحديداً أن هناك من يريد الاستفادة من سيناريو اغتيال قاسم سليماني الذي لم تكن له تداعيات على مستوى ما يتمتع به سليماني من مكانةٍ في هرم الدولة فيبدو بالمقياس العام دخولاً في المجهول يحتاج إلى إدارة جمهورية بالكامل وهو سينتظر على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية القادمة، فيما ما زال الديمقراطيون يدافعون عن فكرة احتواء إيران عبر الاتفاقيات أفضل من الوصول إلى نقطةِ اللاعودة فماذا ينتظرنا؟!
حتى ما قبل ربيع الدم العربي كان انتظار ما ستؤول إليهِ نتائج الانتخابات في الدول الفاعلة هو سمة تُبنى عليها الكثير من الاستراتيجيات تحديداً في شرقنا الملتهب، اليوم تبدو الصورة قد انقلبت تماماً إذ بات الحدث الانتخابي في تلكَ الدول بلا معنى من مبدأ لن يحدث أسوأ مما حدث، هذا منطقي لأن ما يجري من أحداث أثبت أن الديمقراطيات بمفهومها التعددي مجردَ تبادلٍ للأدوار، بالسياق ذاته فإن الحرب الأوكرانية أثبتت أن الكثير من الدول المُبهرة بتقدمها وتطورها لا يتعدى ثمنها أكثرَ من إغلاق الروس خطَّ أنابيب الغاز، أما الحديث عن تابعية بعض دول الشرق البائس للقرار الأميركي فهو بالوقت ذاته سقط عندما اكتشفنا أن دولاً عظمى لا تجرؤ حتى على اتخاذ قرارٍ سيادي يحمي اقتصاداتها من دون الرجوع للولايات المتحدة، الحدث الانتخابي بات بأبعاد محلية أكثر من كونه بأبعاد إستراتيجية وانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة لن تخرج عن هذا السياق رغمَ أبعادها الممتدة خارج الحدود، على هذا الأساس يبدو أن الدور اليوم على الجمهوريين لفرملة الانخراط الأميركي في الحرب الأوكرانية، بانتظار السيناريوهات القادمة.