منذ أكثر من ربع قرن دعاني الأستاذ ياسر عبد ربه لكتابة موضوعات سياسية في مجلة «الشهر» ذات الامتياز الفرنسي والهوية السورية.
كانت تلك بداية علاقتي بمجلة الشهر وبعائلة عبد ربه، ومن ثم علاقتي بصحيفة «الوطن» التي صارت شابة بعمر الربيع، إذ إنها صدرت قبل ستة عشر عاماً.
في أول لقاء مع الأستاذ ياسر تعرفت إلى شاب يقف جواره اسمه وضاح عبد ربه، وهو نجل أبو عمار، صاحب المجلة ورئيس تحريرها، يومها حرضني على الكتابة الساخرة قائلاً: أنت تكتب المسرحيات الساخرة، لماذا لا تزودنا بمقالات ساخرة ننشرها في (المضحك المبكي).
وللعلم كانت مجلة الشهر تخصص عشراً من صفحاتها لمجلة ساخرة ضمن المجلة التي أطلق عليها تسمية (المضحك المبكي) تيمناً بمجلة المضحك المبكي التي أسسها الراحل حبيب كحالة في بدايات القرن العشرين المنصرم.
وافقت وبدأت بالكتابة للمجلة، والطريف أن أول مقالة ساخرة كتبتها للمجلة تمت إزالتها من النسخ التي وزعت في سورية، يومها اشتريت المجلة من عادل الذي ورث مهنة بيع الصحف والمجلات عن أبيه وهو موجود حتى اللحظة بالقرب من مقهى الروضة في شارع العابد على بعد أمتار قليلة من مجلة «الشهر».
فتوجهت فوراً إلى مكتب الشهر فاستقبلني الأستاذ ياسر بابتسامة عريضة قائلاً: مادامت مقالتك قد ألغيت بأمر الرقيب، فأنت في الطريق الصحيح، فاستمر في الكتابة وأنتظر منك المقالة القادمة!
بعد تنحي الأستاذ ياسر عن رئاسة تحرير«الشهر» وإعطاء الدفة لأبنه الصديق والزميل وضاح طلب مني زيادة جرعة الكتابات إن كان في السياسة أو المقالات الساخرة، وبعد فترة قصيرة أصبحت مدير تحرير«الشهر» إضافة إلى رئيس تحرير المجلة ضمن المجلة، أي (المضحك المبكي).
بعد ذلك صدرت أول صحيفة تعنى بالاقتصاد في سورية هي «الاقتصادية» بجهود كبيرة من الزميل وضاح الذي استمر في العمل والمحاولة ليحصل على امتياز صحيفة «الوطن»، وهي أول صحيفة خاصة تصدر في سورية بعد غياب الصحف الخاصة لأربعة عقود.
صحيح أنني لم أكن من أسرة «الوطن» بشكل مباشر، لكنني كنت مواكباً لها في كل مراحلها حتى بلغت اليوم عامها السادس عشر، وعليّ الاعتراف بأن هذه الصحيفة لم تمر بمراحل الطفولة والمراهقة، بل ولدت ناضجة منذ اللحظة الأولى وأخذت على عاتقها أن تلتزم بشعارها القائل «عين على الوطن» واستطاعت أن تترجم هذا الشعار على أرض الواقع في المجالات كافة من السياسة إلى الخدمات وما بينهما.
أنا اليوم أعتبر نفسي من أسرة «الوطن» التي أكتب فيها زاويتي هذه منذ سنوات طويلة، وأعترف بأن هذه الصحيفة أعطتني ركناً من أركانها المحببة لأي صحفي أو كاتب يعمل على نقل فكرة من المخيلة إلى أرض الواقع ويسعى للدفاع عن قضايا الناس كما يجب أن يكون العمل في الصحافة.
يقولون في هذه الأحوال: إن شهادتي مجروحة.. قد تكون كذلك، لكن من يعلم خفايا الأمور، وطبيعة الشخصيات التي عملت وتعمل في الصحافة الرسمية والخاصة سيعترف بأن شهادتي تمثل نصف الحقيقة.. والشهادة الحقيقية أخذتها «الوطن» من المواطن نفسه قبل أي أحد آخر.
هو مجرد رأي وحديث الذكريات عن الشهر والاقتصادية والوطن وزملاء أعتز أنني تعرفت إليهم وعملت معهم.