شباط لـ«الوطن»: طلبنا إنشاء مجففين في دير الزور والرقة وكانت التوجيهات التريث … المزارعون يفرشون الذرة الصفراء نتيجة غياب «المجففات»
| محمود الصالح- خالد زنكلو
أبدى مزارعون بريف حلب الشرقي مخاوفهم من ضياع «شقى العمر» من محصول الذرة الصفراء المنشور على طريق عام حلب- الرقة بهدف تجفيفه بطريقة بدائية، إثر هطل كميات كبيرة من الأمطار أمس، وفي ظل غياب وسائل التجفيف آلياً.
وقال مزارعو ذرة صفراء لـ«الوطن» أإن كميات لا بأس به من الذرة المنشورة على الأوتستراد الدولي تعرضت للتلف بفعل الأمطار الغزيرة، منتقدين غياب بدائل التجفيف التقليدية لأهم المحاصيل الإستراتيجية «مثل معمل تجفيف الذرة في دير حافر، الذي لم يبصر النور بعد ٦ سنوات من تحرير الريف الشرقي للمحافظة من الإرهاب»، وفق قول أحد الفلاحين.
وأفاد سائقون اجتازوا المسافة التي تجفف فيها الذرة الصفراء على طريق حلب الرقة خلال هطل الأمطار أمس لـ«الوطن» بتعرض كميات من المحصول للأمطار الغزيرة، الأمر الذي قد يتسبب بعفونتها وزيادة نسبة الرطوبة عن الحد المسموح به، وبما يحول دون بيعها من الفلاحين. مشيرين إلى أن المتضرر من العملية هي المحاصيل غير المغطاة بالنايلون والمقدرة بنسبة ٩٠ بالمئة من إجمالي الذرة المنشورة.
ويعود سبب نشر الذرة على الطرقات لغياب وجود مجففات الذرة التي أخفقت وزارة الزراعة في استيرادها.
مدير زراعة حلب رضوان حرصوني استبعد أن تتسبب الأمطار بتلف محصول الذرة المنشور على الأوتستراد الدولي، وحصر في تصريح لـ«الوطن» مسؤولية ما قد يحصل من ضرر حال حدوثه بالمؤسسة العامة للأعلاف التي يتبع لها معمل تجفيف الذرة في دير حافر.
المدير العام للمؤسسة العامة للأعلاف عبد الكريم شباط بين لـ«الوطن» أنه في عام 2019 ومع بدء عودة الإنتاج لمادة الذرة الصفراء نتيجة تحرير أرياف حلب والرقة ودير الزور تم إعداد دراسة لإنشاء مجفف بطاقة 50 طناً في الساعة في دير حافر وتم تلزيم العقد للشركة العامة للطرق والجسور، ومنحت الشركة سلفة 100 مليون ليرة حينها، وكانت قيمة العقد 1.2 مليار ليرة، لكن رغم كل المحاولات لم تتمكن الشركة العامة للطرق والجسور من تأمين المجفف وتركيبه، وتأثرت عملية المتابعة بالإجراءات الخاصة في كورونا في عامي 2020 و2021، وأعطيت الشركة مهلة أخيرة حتى تشرين الأول 2021 لتركيب المجفف لكنها لم تلتزم بذلك، وتم الإعلان من جديد لتركيب المجفف على حساب ناكل، ورسا العقد في شباط من العام الحالي على متعهد قطاع خاص بقيمة 9.7 مليارات ليرة، لكن المراسلات ما زالت بين المؤسسة واللجنة الاقتصادية مستمرة منذ نيسان من العام الحالي وحتى الآن لم يتم البت في هذا العقد، ونظرا لانتهاء الفترة المحددة لارتباط العارض بعرضه انسحب المتعهد، وأرسلنا استفسار إلى مجلس الدولة لمعرفة المعالجة.
وأوضح شباط أنه وبالتوازي مع الإعلان عن التعاقد لمجفف دير حافر تم طلب الموافقة على إنشاء مجففين في دير الزور والرقة، لكن كانت التوجيهات بالتريث لحين معرفة مصير عقد مجفف دير حافر، جازماً بأنه ولو أنجزت المؤسسة 3 مجففات فلن تزيد طاقتها عن 100 طن، وهي غير قادرة على تجفيف كامل إنتاج البلاد.
وعن سبب إحجام القطاع الخاص عن إنشاء مجففات، رأى المدير العام أن المشكلة هي معاناة القطاع العام نفسه، حيث لا يستطيع رجال الأعمال استيراد المجففات من جانب ومن جانب آخر لم تكن تلك المشاريع مغرية استثمارياً رغم التسهيلات الكبيرة التي قدمتها الحكومة، مضيفاً: لم يكن يتوقع أحد أننا سنصل إلى هذه الكمية من الإنتاج وهذا ما سيجعلنا نشهد إنشاء عشرات المجففات من القطاع الخاص وستكون جاهزة في الموسم القادم.
«تجفيف على الطرقات..!!»
وأعاد شباط تجفيف مئات آلاف الأطنان من الذرة على الطرقات لعدم توافر الإمكانية للتجفيف الفني، ما دفع الفلاحين للعودة إلى التجفيف التقليدي تحت أشعة الشمس.
ولفت إلى توجيه محافظ حلب بتخصيص كامل طريق حلب الرقة «الذهاب» بطول يتجاوز 130 كم لفرش الذرة الصفراء من الفلاحين في مناطق إنتاج حلب والرقة، وقد حققت تلك العملية الغرض ووصلت نسبة الرطوبة إلى المواصفة القياسية 14 بالمئة ولكنها في الوقت ذاته زادت الشوائب، مضيفاً: لكن ليس هناك حل أفضل نتيجة غياب وجود المجففات لدى القطاع الخاص، وهناك إمكانية لدى الفلاحين للتجفيف في بيوتهم كما كانوا يفعلون قبل سنوات، وتابع: بالنسبة لمنطقة الغاب فإن الإنتاج هناك فاق كل التوقعات، ولكن هناك حيازات صغيرة وأغلب الفلاحين لا يتجاوز إنتاجهم 3 أطنان، وهم قادرون على تجفيفها بكل الطرق وتسليمها لفروع المؤسسة والحصول على السعر المحدد، وهم ليسوا مضطرين لبيعها للتجار الآن.
وعن وجود موسم استثنائي في إنتاج محصول الذرة الصفراء لم تشهده سورية من قبل، نتيجة ارتفاع كمية الإنتاج في وحدة المساحة. وبين المدير العام أن الإنتاج يمكن أن يصل إلى 500 ألف طن من الذرة الصفراء في جميع المحافظات، وتأتي محافظة حلب بالدرجة الأولى التي يقدر أن يزيد إنتاجها عن 260 ألف طن من الذرة الصفراء.
«موسم استثنائي»
وبين شباط أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى ارتفاع الإنتاج في وحدة المساحة منها نوعية البذار التي أدت إلى رفع إنتاج الهكتار الواحد من 3 أطنان إلى 8 أطنان بشكل وسطي، وتوافر الظروف الجوية المناسبة، وعدم تعرض المحصول لأمراض مؤثرة على النوعية والإنتاج، إضافة للاهتمام الكبير من الفلاحين في زراعة الذرة نتيجة هامش الربح الكبير الذي تحقق في العام الماضي. عدا أن محصول الذرة «تكثيفي» أي إنه لا يؤثر على خطة الفلاحين في الزراعة فهي تأتي بعد انتهاء موسم القمح، وقبل بدء الموسم الشتوي، إضافة إلى أن تكاليفها ليست مرتفعة قياسياً بمحصول القطن أو غيرها من المحاصيل وأسعارها المجزية.
وأشار إلى أن المساحة المزروعة في البلاد بمحصول الذرة الصفراء تقدر بحدود 55 ألف هكتار يمكن أن يصل إنتاجها إلى نصف مليون طن هذا الموسم في المناطق الآمنة، علماً أن أعلى كمية إنتاج شهدتها سورية في تاريخها في إنتاج الذرة الصفراء كان 250 ألف طن قبل الأزمة، في حين متوسط الإنتاج السنوي 150 ألف طن.
«التكاليف والأسعار»
ولفت شباط إلى أن المؤسسة درست تكاليف الإنتاج في محافظات حلب ودير الزور والرقة، للأراضي التي تروى بالضخ من آبار متوسطة العمق بواسطة المحركات، لمن زرعوا نوعية ممتازة من البذار الهجين فكانت كلفة الهكتار بشكل كامل 6 ملايين ليرة، ومن قام بزراعة هذا النوع من البذار في ريف حلب أعطى الهكتار لديه 12 طناً بقيمة تصل إلى 24 مليون ليرة، وأقل كمية إنتاج كانت 6 أطنان في الهكتار بقيمة 12 مليوناً، وقد وصل سعر الكيلو في بداية الموسم إلى 2100 ليرة لدى التجار في حين المؤسسة العامة للأعلاف حددت سعر شراء الذرة الصفراء وفق المواصفات القياسية بقيمة 1800 ليرة للكيلو يضاف لها 200 ليرة دعم من صندوق دعم المنتجات الزراعة.
وبين أن المؤسسة أعلنت منذ 26/9/2022 بدء استقبال المحصول، لكن لم يتقدم أحد من الفلاحين لبيع إنتاجه للمؤسسة نظراً لعدم توافر المواصفات القياسية المطلوبة في الإنتاج، وكانت الأسعار لدى التجار جيدة بالنسبة للفلاحين، موضحاً أنه وحتى بداية الأسبوع الماضي لم تستلم فروع المؤسسة أي كمية من الإنتاج، وهذا أدى إلى تراجع الأسعار في السوق حيث وصلت إلى 1400 ليرة للكغ.
وبين أن مجلس إدارة المؤسسة اجتمع أمس ودرس أسباب عدم التسويق لمراكز المؤسسة وتبين أنه نتيجة عدم تحقيق المواصفات القياسية المطلوبة، كاشفاً عن اتخاذ قرار بتعديل الحدود المقررة في المواصفات القياسية التي كانت قبل القرار الأخير هي 5 بالمئة شوائب و14 بالمئة رطوبة و67 بالمئة ثقل نوعي والآن وبهدف استلام أكبر كمية من الإنتاج ولوجود شكوى من الفلاحين أن الإنتاج فيه نسبة شوائب زائدة وثقل نوعي قليل سيتم من اليوم قبول الذرة إن كانت الشوائب 12 بالمئة والثقل النوعي 63 بالمئة، وفي حال كانت كذلك لن ينخفض سعرها عن 1600 ليرة كقيمة ذرة يضاف لها 200 ليرة مكافأة من صندوق دعم الإنتاج الزراعي، وبالتالي لن تقل قيمة الذرة المسوقة للمؤسسة عن 1800 ليرة، وبالتالي سنجد ارتفاعاً فورياً في السوق من 1400 ليرة الآن إلى 1900 ليرة بعد أيام
«تكامل في التسويق»
ورأى شباط أن المهم ليس من يستلم المحصول المؤسسة أم القطاع الخاص لأنه في النتيجة هذا الإنتاج سيبقى داخل البلاد وفي النتيجة سيعود من خلال حلقة واحدة إلى مربي الثروة الحيوانية، منوهاً بتوفير الإنتاج الكبير لمبالغ كبيرة كانت تخرج من البلاد على شكل قطع أجنبي باستيراد المادة عن طريق التجار أو المؤسسة، عدا عن الوفر الحاصل نتيجة توفير أجور النقل والتخزين.
ويرى المدير العام أنه بعد قرار مجلس إدارة المؤسسة أمس تخفيض المواصفات ستعود الأسعار للارتفاع في السوق، وهذا ليس لمصلحة التجار لأن الفلاحين سيتوجهون إلى مراكز الاستلام لتسويق إنتاجهم للمؤسسة، وبالتالي ستتحقق مصلحة الفلاحين برفع السعر سواء سوقوا الإنتاج للمؤسسة بالسعر الرسمي أم للتجار بالسعر المقارب لذلك.
«مجموع خضري..»
ويرى المدير العام أنه وللمرة الأولى يشهد المجموع الخضري لنبات الذرة الصفراء هذا النمو الذي وصل إلى ارتفاع 2.5 م مما أدى إلى تقدير كمية المجموع الخضري إلى أكثر من مليون ونصف المليون طن، ورغم أهمية هذا المنتج لكن حتى الآن لم يتم الاستفادة منه في إنتاج (السيلاج) كغذاء للحيوانات في فصل الشتاء، ولو تم ذلك بشكل علمي لتجاوزت قيمة إنتاج الذرة كحبوب، والآن تقتصر الاستفادة من المجموع الخضري على تغذية الأغنام والأبقار في الوقت الحالي بشكل مباشر، مما وفر على مربي الثروة الحيوانية مبالغ كبيرة كقيمة أعلاف، وهذا ما لمسناه بشكل واضح جداً، حيث لا يستجر المربون مخصصاتهم من الأعلاف وفق الدورة العلفية في الوقت الحالي، وهناك آلاف الأطنان من الذرة والشعير المكدسة في مستودعات الأعلاف ولا يرغب باستلامها المربون بسبب وجود البديل وهو نواتج حصاد الذرة الصفراء من المجموع الخضري، الذي يعتبر قيمة غذائية كبيرة للثروة الحيوانية لاحتوائه على نسبة عالية من الألياف، التي تعتبر ممتازة للتخزين لو تم التعامل معها في طريقة (السيلاج) وتخزينها لفصل الشتاء.