ثقافة وفن

الحياة بتفاصيلها وتناقضاتها تتجلى في معرض «حجر وورد» … سائد سلوم لـ«الوطن»: قدمت إحساسي الفردي الداخلي بين العامل الذاتي والعامل الموضوعي

| سارة سلامة

يحتفظ الفنان التشكيلي الدكتور سائد سلوم بصور عديدة ومشاهد ولقطات في ذهنه بكل ما مررنا به من كرب وأحزان يجسدها اليوم من خلال معرضه الفردي الأول الذي اختار له عنواناً «حجر وورد» في صالة البيت الأزرق.

لا يكاد أثر تعب هذه السنوات يهاجر لوحاته ففيها تعتلي أوجاعنا مركونة بضبابية الألوان ورماديتها، نجد آثار ومخلفات الرصاص والضرب والقتل، نجد دخاناً يهرع إلى السماء إثر انفجار ما، لا يستطيع الفنان أن يتعرى عن بيئته فحالته النفسية تجثو أمام إزميله كلما مر ويمر به بدا واضحاً في حجارة تهدمت لكنه خلف وراءه أثر وردة ليثبت مراراً أن الشعب السوري قائم وحي ولا يموت مهما جار عليه الزمن.

والمعرض ضم 42 لوحة بأحجام تنوعت بين الصغير والمتوسط والكبير، وبتقنية الأكريليك والأتربة الملونة. كما تميل الألوان عنده إلى الرماديات والقتامة، لتعبر عن الوجع والتناقضات.

هو مرآة نفسية

وعلى هامش المعرض التقينا الفنان سلوم الذي حدثنا أكثر عما قدمه قائلاً: «يتميز هذا المعرض بعلاقته مع الوضع الراهن؛ على حين كان المعرض الأول يقدم موضوع الحروفية من خلال فن التصوير بشكل عام، والثاني يتعلق بقضايا إنسانية عامة من دون تحديد أي موقف معين ويشير إلى نوع من القلق والتوتر، على حين في معرض «حجر وورد» هناك مجموعة من الأعمال الفنية أخذت مني ما يقرب 6 سنوات على الأقل وبهذه الفترة حدث الكثير من التحولات السياسية والجغرافية والسكانية، كل هذه الأحداث كان لها تأثير كبير على الفنان على اعتبار أنها مهمة في حياتنا وكانت هذه اللوحات تعكس هذه الأحداث وفق زمانها ومكانها وطبيعتها ونحن نعرف كم كانت قاسية وصعبة».

وأضاف سلوم: إن «المعرض هو مرآة نفسية للأحداث التي عشناها لأنها منعكسة بداخلي، تفاعلت مع الحدث وحاولت التعبير عنه بالألوان والأشكال فالحدث ربما يكون مختلفاً عن بقية الأشخاص الآخرين أو الروائيين أو المسرحيين أو الشعراء فكل له طريقته بالتفاعل مع الحدث، هذه الأحداث كان لها بالفعل تأثير ووقع داخلي وبشكل شخصي بالنسبة لي فالمشاهد كانت مؤلمة جداً في حياتنا، من هذه المشاهد صنعت لوحات تحمل معنى النقطة الوهمية أي إدراك اللامألوف على نحو المألوف».

الإلفة تولد الاستخفاف

وعن الرسالة التي عمل على إيصالها من المعرض أوضح سلوم: «وضعت في كل لوحة وردة وحجراً واللوحة الرئيسية تحمل عنوان النقطة الوهمية بمعنى إدراك اللامألوف على نحو المألوف، وكيف كنا نتأمل مشاهد معينة ببداية الحرب على سورية ومن ثم تشعبت إلى أنحاء العالم كله، وما يقلق أن الناس كانت تتعامل مع الأحداث بحالة توتر شديد ثم بعد ذلك أصبحت شيئاً اعتيادياً، تدمير بسيط، عبوة ناسفة عادي، لأنهم تعودوا وكما يقول المثل: «الإلفة تولد الاستخفاف».

الإحساس الفردي الداخلي

وعن تميزه بالنسبة لغيره من الفنانين قال سلوم: «كنا متميزين عن بعضنا ولكن على الصعيد التشكيلي هناك فنانون حروفيون أو تجريديون فيتقدم هذا الموضوع برؤية وأيديولوجية خاصة بذلك الفنان، وبالنسبة لتجربتي فأنا أقدم إحساسي الفردي الداخلي بما أعيش بكل تطابق بين العامل الذاتي والعامل الموضوعي، هذه الموضوعات والأحداث كانت تنعكس نفسياً بالنسبة لي في لحظات أخرى قد يتجه الفنان إلى مستويات أخرى من التفكير كالتجريدية مثلاً وهي تحتاج إلى هدوء وتوازن عقلي شديد، وتحتاج إلى الابتعاد عن كل المحسوسات والمؤثرات، ولكن اليوم أقدم تجربتي بعد أن عشت هذه الأحداث وكيف أثرت بي».

رمزية معينة

وعن أصداء الناس في المعرض أفاد سلوم: إن «الجمهور كان متفاعلاً جداً وشعرت أن الرسالة وصلت بدقة وخاصة أن العنوان يشير إلى رمزية معينة، أحياناً الفنان يشعر بهذه الإشكالات ولكن يا ترى هل هي صحيحة؟ الموقف الذي سأطرحه هل هو صحيح؟ حقيقة لا أستطيع أدراك صحة هذا الشيء إلا من خلال حواري وتفاعلي مع الآخرين، الحوار الذي جرى مع الجمهور والمتلقين حتى الطلاب أحياناً أجد أن بعضهم يتفوق على الفنان بشدة إحساسه، والرسالة هنا ليست لتوثيق الأحداث التي جرت ولكن أردت استشراف شيء للمستقبل من خلال هذا الواقع».

وعن طبيعة الأسلوب والألوان المستخدمة بيّن سلوم: «استخدمت الأكريليك بطريقة خاصة ومختلفة عن الآخرين بطريقة استخدام اللون، وكان على الأغلب عندي ألوان الرماديات والضبابيات من الغبار الذي كان يترسب لدي بزاوية من الزوايا من نافذة بقلب المرسم كنت أجمعها ومرت علينا مراحل غبارية كثيرة في عام 2018، واللوحات التي كانت مركونة فيه كان عليها هذه الذرات الغبارية أجمعها وأخلطها مع الوثائق اللونية وأتعامل معها كلون ولاحظت أنها أعطتني شيئاً مختلفاً بالتقنية وأعطتني ضبابية جميلة جداً؛ وهذه الذرات الغبارية المحملة بهباب الفحم الموجود في السماء ورائحة البارود وحتى الغبار الأسود كانت ناتجة عن شظايا الانفجارات، كنت أستخدمه بقلب اللوحات وأتركه تحت عملية التثبيت، أعتقد أن هذه مسألة خاصة بطريقة التعامل مع المادة حيث أكثرها مادة بشرية حجرية وهي إشارة إلى المدارس العدمية التي تهتم بمسألة الوجود والعدم، لكننا هنا نأخذها بشكل فني أي نرى الإنسان ليس من الطبيعة اللحمية بل من طبيعة حجرية حولناه من مادة إلى مادة أخرى، وهذه الحجارة غالباً ما تشير إلى العدم لكن وجود الورد يشعرنا بنوع من الأمل في المستقبل».

الخط الأول

وعن الحرب والأزمة الاقتصادية وتأثيرها على عملية الاقتناء أوضح سلوم: «بشكل عام تأثرت هذه العملية وتراجعت إلى الوراء مقابل السنوات الماضية، قبل 2008 تقريباً كانت سورية الخط الأول بالاقتناء في الوطن العربي، وكانت حتى الزيارات تتم من جميع الدول العربية حيث كانت تشكل سياحة، أما الآن فالظروف المحيطة بنا من الحصار الاقتصادي العالمي إلى بقية الأحداث الأخرى تركت أثرها الكبير على حركة الفن التشكيلي».

يذكر أن الفنان سائد سلوم من مواليد عام 1970، تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1993، وحصل على دبلوم دراسات عليا عام 1995، ثم حصل على الماجستير عام 2003، وبعدها الدكتوراه، وهو أستاذ ورئيس قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها، إضافة إلى كونه رسام كاريكاتير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن