قضايا وآراء

«النصرة» بين التدوير والصهر

| منذر عيد

في وقت تقوم روسيا فيه بالمناورة تكتيكياً، في العلاقة مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية-قسد»، وحتى مع الاحتلال التركي على الجبهة في شمال شرق سورية، بهدف الحصول والوصول إلى أهداف إستراتيجية لاحقاً، فإنه من الملاحظ والمؤكد، أن ملف إدلب، والتعامل مع تحركات تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، وسعي متزعمه أبو محمد الجولاني للتمدد شمالا باتجاه عفرين، أو الانتقال إلى الجبهة الشمالية الشرقية في رأس العين، يختلف في الميزان الروسي، وبأن ما هو ممكن في الشرق، هو أمر مستحيل في الغرب.

تغيرت المعطيات كثيراً على أرض الميدان، بعد اقتتال الميليشيات الموالية للنظام التركي والمنضوية تحت راية ميليشيا «الجيش الوطني» مع تنظيم «النصرة» والميليشيات الموالية له في عفرين وإعزاز بريف حلب، الأمر الذي أفضى إلى سيطرة «النصرة» على تلك المناطق، وإن أعلنت لاحقا سحب مسلحيها، إلا أنها أبقت جلهم تحت لباس «الحمزات» و«سليمان شاه»، ليتضح لاحقا أن تمدد «النصرة» كان برضا وقرار من استخبارات النظام التركي، لأهداف كثيرة، أقلها دمج جميع الفصائل في إدلب وريف حلب الشمالي الغربي، في إطار واحد تحت هيمنة «النصرة»، ومن ثم تلميع صورة أبو محمد الجولاني، وتقديمه للعالم بصورة «المعتدل» الذي يمكن الحوار معه ومشاركته في طاولة الحل النهائي لمستقبل سورية.

أخطاء النظام التركي السياسية، ومغالطاته في أرض الميدان، وفائض الفوضى الذي عمل على إيجاده في سورية، جعل الأمور تخرج من تحت سيطرته في لحظة ما، وهو ما دفع به إلى اللجوء إلى فكرة «تعويم» النصرة، وفرضها قوة وحيدة لضبط حالة الانفلات، وهذا ما بدا جليا من خلال الشروط والإملاءات، صعبة التطبيق، التي فرضها عبر استخباراته خلال اجتماعها في غازي عنتاب مع متزعمي مرتزقته في ميليشيا «الجيش الوطني»، وذلك بهدف تحقيق غايته في إفشال جهود مرتزقته في تنفيذ مخرجات الاجتماع، بما يبرر له «تلزيم» أمور المنطقة، بما في ذلك «الأمن وإدارة المعابر» إلى «النصرة»، ولم يخجل ضباط مخابرات النظام التركي من الإفصاح عن ذلك خلال الاجتماع، إذ تؤكد التسريبات أن متزعمي الميليشيات أُبلغوا صراحة بأنه في حال عدم توافقهم وقدرتهم على تلبية الاشتراطات التركية في مناطق نفوذهم، فإن البديل جاهز، وهو «النصرة» القادر على فرض الأمن، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ووقف التناحر والاقتتال بين الميليشيات وسعي متزعميها الدائم لجني الثروة والمال وتكريس هيمنتهم بالتعديات والتجاوزات.

تقول جميع التقارير إن «النصرة» بدأت في تطبيق مخطط مشترك مع النظام التركي، يفضي أن تكون بديلاً لجميع الميليشيات «المتقاتلة» التابعة لأنقرة في جميع المناطق التي يحتلها النظام التركي في سورية، سواء في الشمال الشرقي أم الغربي من سورية، وهذا ما أكدته الأخبار، أن «النصرة» تتحضر لزج جهازها الأمني في رأس العين بريف الحسكة، تحت غطاء ميليشيا «فرقة الحمزات»، خلال الأيام القادمة، عبر العمليات الروتينية لتبديل الأخيرة مسلحيها هناك، وبأن ذلك يجري تحت علم قوات الاحتلال التركي لكن دون إعلان رسمي، حيث سبقه أيضاً إدخال مسلحين لـ«النصرة» إلى جبهتي الياشلي والحمران شمال غرب منبج بريف حلب الشرقي، وذلك بأسماء مسلحين تابعين لـ«أحرار الشام».

ما سبق يدلل على قيام النظام التركي بعملية «تدوير» جبهة النصرة، بهدف الحصول على منتج مقبول عالمياً، إلا أن الوضع يختلف من وجهة نظر الحكومة السورية والقوات الروسية، رؤية تؤكد أن «النصرة» مكون إرهابي، وأن جميع عمليات «التدوير» لن تفضي إلا إلى منتج إرهابي أيضاً، وإن اختلف المسمى أو الشكل أو الرايات، وبأن الحل هو في عملية «الصهر».

الرؤية السورية- الروسية للحل في إدلب، بخلاف رؤية النظام التركي، لم تكن بحاجة إلى مواربة أو تلميح، بل جاء التنفيذ مباشراً عبر توجيه الجيش العربي السوري بالتعاون مع القوات الجوفضائية الروسية، ضربات صاروخية مركزة استهدفت معسكر «مرام» بالقرب من بلدة كفر جالس، الأمر الذي تسبب بدمار المعسكر ومقتل وجرح أكثر من 40 إرهابياً، الأمر الذي لم يكن بالجديد أو المفاجئ، فموسكو أكدت مراراً وتكراراً أنه لا يمكنها أن تسمح بوجود محميات للإرهاب في سورية، وأن القضاء عليه أمر واجب، وأن الأمر سيتم آجلاً أم عاجلاً، حال الموقف السوري المبني على أساس أن الحرب على الإرهاب متواصلة حتى القضاء عليه بشكل نهائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن