مقاتلات سريانيات على خطوط المواجهة ضد «الجهاديين» في سورية
| وكالات
تركت بابيلونيا طفليها الصغيرين ليمار وغابرييلا ومهنتها كمصففة شعر لتلتحق مع نساء أخريات بكتيبة مسيحية سريانية ينتشر عناصرها على عدد من خطوط القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي في محافظة الحسكة في شمال غرب سورية.
وتقول هذه السيدة (36 عاماً) القوية البنية بلباسها العسكري المرقط بحسب وكالة «أ ف ب»: «اشتاق لطفليّ ليمار (تسع سنوات) وغابرييلا (ست سنوات) وأفكر دائماً أنهما يعانيان من الجوع والعطش والبرد، لكنني أشرح لهما أنني مقاتلة لأحمي مستقبلهما».
بابيلونيا هي واحدة من السيدات والفتيات السريانيات اللواتي التحقن بكتيبة نسائية تضم عشرات المقاتلات السريانيات، وتخرجت الدفعة الأولى منهن في آب 2015 في مدينة القحطانية في محافظة الحسكة، حيث تقيم بابيلونيا منذ تسع سنوات.
وتحمل هذه الكتيبة اسم «قوات حماية نساء بيث نهرين»، وهي تسمية تاريخية باللغة السريانية تعني بلاد الرافدين، في إشارة إلى المناطق التي يتحدر منها السريان حول نهري دجلة والفرات.
وتضيف بابيلونيا بنظرة ثاقبة وهي تحمل سلاحها «أنا مسيحية مؤمنة وتفكيري بطفليّ يزيدني قوة وتصميماً على مواجهة داعش».
قبل انضمامها إلى صفوف المقاتلات السريانيات، عملت بابيلونيا كمصففة شعر، لكنها قررت أن تصبح مقاتلة بتشجيع من زوجها المقاتل هو ايضا، وبهدف «تبديد فكرة أن المرأة السريانية تجيد الأعمال المنزلية والتبرج فقط»، على حد تعبيرها.
تركت لوسيا (18 عاماً) العازبة والخجولة الطباع دراستها لتنضم على غرار شقيقتها إلى صفوف المقاتلات السريانيات برغم اعتراض والدتها.
وتقول وهي تلف رأسها بوشاح عسكري وحول عنقها قلادة تحمل صليباً خشبياً وأيقونة، «سلاحي هو الكلاشنيكوف ولدي معرفة بسيطة في التقنيص».
وتضيف «شاركت في معركة بلدة الهول للمرة الأولى لكن نقطتي لم تتعرض للهجوم من قبل عناصر تنظيم داعش».
ويعد السريان إحدى جماعات الكنيسة المشرقية والتي تتكلم وتصلي باللغة الآرامية. وأغلبية السريان هم من الأرثوذكس أو اليعقوبيين فيما عدد قليل منهم من الكاثوليك الذين تبعوا روما في القرن الثامن عشر. ويتواجد السريان حالياً في لبنان والعراق وسورية وحتى في الهند.
وكانت أولى مشاركة المقاتلات السريانيات على جبهات القتال إلى جانب «وحدات حماية المرأة الكردية» في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة الحسكة في إطار الحملة العسكرية التي قادها «جيش سورية الديمقراطي» وتمكن خلالها من السيطرة على عشرات البلدات والقرى والمزارع بعد طرد تنظيم داعش منها، وأبرزها بلدة الهول قبل شهر. ويضم «جيش سورية الديمقراطي» الذي يحظى بدعم أميركي فصائل كردية وعربية أعلنت توحيد جهودها العسكرية قبل شهرين لقتال الإرهابيين في شمال شرق سورية.
وتقول أورميا (18 عاماً)، التي انضمت قبل خمسة أشهر إلى صفوف الكتيبة وشاركت في القتال في جبهة الهول، «خفت من أصوات المدافع في البداية لكن الخوف تلاشى بعد لحظات. كم أتمنى أن أكون في مقدمة المشاركين في القتال ضد الإرهابيين».
وتتلقى المقاتلات تدريباتهن في أكاديمية عبارة عن طاحونة قديمة، تم تأهيلها في ريف مدينة القحطانية لتتحول إلى معسكر تدريبي.
وتخضع المقاتلات قبل انضمامهن إلى الكتيبة لتدريبات عسكرية ورياضية واكاديمية، تبدأ صبيحة كل يوم بحصة رياضية هدفها تقوية البنية الجسدية للمقاتلات مرورا بتمرين على كيفية استخدام السلاح، ومحاضرات فكرية تتناول اللغة السريانية وتاريخ السريان ودور المرأة.
ولا يزال عناصرها في مرحلة التدريب ويملكن القليل من التجربة لأنها حديثة التشكيل. وتنحصر مهام المقاتلات في حماية القرى والمناطق ذات الأغلبية المسيحية في الحسكة.
وتوضح ثبيرثا سمير (24 عاماً) التي تشغل «منصباً قيادياً في التدريب»، لوكالة فرانس برس «عدد عناصرنا يقرب من الخمسين مقاتلة سريانية حتى الآن» تخرجن خلال ثلاث دورات تدريبية.
وتقول ثبيرتا التي تضع على رأسها قبعة صوف سوداء اللون «كنت أعمل في الجمعية الثقافية السريانية، لكنني اشعر الآن بمتعة في العمل في المجال العسكري»، مضيفة «لا أخاف تنظيم داعش وسيكون لنا وجود في المعارك المقبلة ضد الإرهابيين».
ومع تأكيدها وجود «مدربين محليين يتمتعون بخبرة»، لكنها تقر بأن «قوات أجنبية أشرفت على تدريبنا» من دون أن تحدد جنسياتها. ويبدو أن لكل فتاة هدفاً من الالتحاق في صفوف المقاتلات السريانيات اللواتي يحملن راية «القضية» السريانية، على حد قولهن.
وتقول إثراء البالغة من العمر 18 عاماً والتي لا تفارق الابتسامة وجهها «التحقت بهذه القوات منذ أربعة أشهر لأدافع عن قضيتي السريانية لأننا شعب مضطهد من قبل الآخرين».
وتضيف أنها تخشى أن ترتكب التنظيمات المتطرفة «مجزرة جديدة بحقنا على غرار العثمانيين الذين ارتكبوا بحقنا مجزرة سيفو في تركيا الأمر الذي كان بمثابة محو لمسيحيتنا وسريانيتنا»، في إشارة إلى مقتل عشرات الآلاف من السريان والآشوريين والكلدان على يد العثمانيين في جنوب شرق تركيا وشمال غرب إيران في العام 1915. ويقيم نحو 100 ألف سرياني في سورية من إجمالي 1.2 مليون مسيحي. ويخشى هؤلاء أن يلقوا المصير ذاته كمسيحيي العراق الذين تعرضوا لانتهاكات جمة وعمليات تهجير من قبل المجموعات المتطرفة والجهادية.