من دفتر الوطن

بين غوّار وبلاتر!

| فراس عزيز ديب

يوماً ما قال المدعو «غوّار ابن مشعل الطوشة» تعليقاً على كف يد أحد المسؤولين لاختلاسه مبلغ مليون ليرة:

«عطوني مليونين وكفوا إيدي الاثنين»، هذه العبارة ربما نستذكرها في كل مرة تتم فيها الإطاحة بمسؤول ما بتهم الفساد بعد أن أفرغ خزائن مؤسسته وجعلها تنوء تحت ضربات الإفلاس فالإغلاق، لكن وللأمانة ولأن ما قاله ابن الطوشة عبر مسيرته التي رافقت طفولتنا حتى اليوم يعتبر استقراء بكوميديا سوداء للحال الذي سنصل إليه، إلا أن تغليف كل ما قاله في إطار ما نعانيه داخلياً فقط هو أمر خاطئ.

دائماً ما تؤخذ بعض تصريحات المسؤولين عبر العالم بالكثير من الضحك، هذا الكلام ليس حكراً على دولة بحالها تحديداً عندما تكون هذه التصريحات ليست منفصلة عن الواقع فحسب لكنها مبنية على استغباء المتلقي بطريقة فجّة تحط من قيمة المصرّح والمؤسسة التي يمثلها، لكن دعونا نتفق بأن الضحك ليس كل شيء في هذا العالم فهناك تصريحات وإن جعلتنا نضحك لكننا ببساطة يجب أن نبكي عندما ندرك حجم ما يعيشه هذا العالم من زيف وادعاء.

من دون سابق إنذار تحرك لدى الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» السويسري جوزيف بلاتر حس المسؤولية، وخزته شوكة الإنسانية عندما اعتبر أن حصول مشيخة قطر على حق تنظيم كأس العالم كان خطأ يتحمل مسؤوليته، مؤكداً أن هذا الأمر ما كان يجب أن يتم، هناك من أعجب بحس المسؤولية المتجدّد لدى المسؤول السابق تحديداً أننا اعتدنا على سماع موشحات الندم من المسؤول الغربي فقط بعد تركه لمنصبه، كدنا نجهش بالبكاء لحجم الإنسانية المتقطرة من تصريحاته كيف لا وهو اعترف بخطئه تماماً كما اعترف يوماً توني بلير بخطأ غزو العراق وكما اعترف مسؤولون أميركيون بخطأ إسقاط ليبيا وتدمير أفغانستان، هو مجرد خطأ دعكم من ضحايا هكذا قرارات هم مجرد أرقام.

أما بالعودة لكلام بلاتر فيكفي أن نذكّر بأن من يدّعي الندم كان صلة الوصل بين أكبر حلقة فساد عرفتها كرة القدم في العالم والتي ضمته إلى جانب الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي لكرة القدم القطري «محمد بن همام» والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السابق ميشيل بلاتيني، شبكة تورطت حتى بشراء أصوات الدول الفقيرة وادعاء معركة وهمية مع الولايات المتحدة لكسب التعاطف مقابل حصول قطر على حق تنظيم البطولة، واليوء جاءنا بلاتر نادماً!

في الخلاصة: هناك من سيتّهمنا بأننا نخلط السياسة بالرياضة، لكن من قال لكم بأن هذا الأمر بات مجرد تهمة؟ أين هم من أوقفوا نشاط المنتخبات الروسية بذريعة الحرب على أوكرانيا؟ أين كانوا عندما هاجمت أميركا أفغانستان والعراق؟ في السياسة كما في الفن كما في الرياضة، ما زال المسؤول الغربي قادراً على تسويق نفسه كأيقونة للإنسانية وما زال هناك من يعتقد بأن هذا القناع هو الوجه الحقيقي، ما زال فيلم هوليودي عن قيام جنود أميركيين بإنقاذ عائلة عراقية قادراً أن يحل في ذاكرتنا مكان ملايين ممن استشهدوا في هذا البلد، ما زالت تصريحات كتصريحات بلاتر قادرة على أن تسرق عقول البعض، بينما بلاتر ذات نفسه يطبق حرفياً كلام ابن الطوشة الذي قاله منذ عقود:

طالما أخذت ما أخذت، كفوا يدي واستضيفوا ما شئتم من بطولات!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن