اقتصاد

هل مديرك مصاب بمتلازمة «هوبريس»؟!؟

| د. سعـد بساطـة

كتب صديقي ملخصاً حول كتاب صدر قبل سنوات؛ فاسترعـى انتباهي لكون الظاهرة التي سنتحدث عـنها بإسهاب؛ لا توجد في الوزراء والملوك فحسب. بل تتجلى أيضاً في رئيس قسم بسيط؛ تجاه زملائه اللذين وضعـتهم الأقدار (أو الهرم الوظيفي/أو حتى الواسطة) بمرتبة أقل منه درجةً. هنا عـزمت عـلى عـرض المتلازمة أمام حضراتكم.

متلازمة الغـطرسة- The Hubris Syndrome؛ كتاب وضعـه طبيب نفسي؛ (دافيد أويـن -David Owen)؛ مستنداً لتجربته الواسعـة؛ أثناء عـمله بالخدمة العـامة وزيراً للصحة ثم للخارجية في بريطانيا أواخر السبعـينيات؛ متميـّزاً أنه كان من أصغـر الوزراء سناً وألمعـهم؛ وكان لولباً بتفعـيل حزب بديل عـن العمال والمحافظين؛ هو الديمقراطي الاشتراكي.

يصف كتابه بدقة – مع أمثلة تاريخية – التغيرات النفسية والسلوكية لأفراد يبقون في مناصب عالية ولفترات طويلة «وهذا ينطبق على رؤساء الشركات والمؤسسات الضخمة ذات النفوذ». هنا أنقل جزءاً مما عـرضه صديقي نقلاً عـن أوين باختصار وتصرف.

تبدأ أعراض المتلازمة بالظهور بعـد سنوات قليلة من السلطة وتزداد حدة مع مرور كل عام. وبعد مرور بضعـة أعـوام (7-8) من السلطة يكاد كل من تربـّع في رأس الهرم الوظيفي أن يكون قد أصيب بها؛ وأبرز أعراضها:

1- الالتصاق بالوظيفة: المدير يشعر بأن شخصه ووظيفته شيء واحد.

2- المدير مبعوث من السماء لإنقاذ المؤسسة.

3- يعاني صاحبنا من هلوسات العظمة فيعـتقد نفسه بأنه فيلسوف أو نابغـة.

4- يظن أن كلامه دُرَرٌ ويتفضل على الناس بخطابات طويلة متكررة مملة معـتقداً أنها نبع الحكمة.

5- عدم قبوله بأي مساءلة. «رغـم أنف المقولة: السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة»!

الكتاب بمجمله يؤكد أن هذه الأعراض لم تكن عند المدير قبل استلام المنصب القيادي؛ ويلح أنها قابلة للزوال عند خسارته كرسي الإدارة.

بالسياق نفسه أروي هذه الطرفة لكسر جمود المقال: مر عـمدة القرية؛ بمجموعـة من فلاحي الغـيط يتصايحون لإنقاذ قلة من الفخار تشرب بها الجاموسة؛ ولأجل الصدف عـلق رأسها داخل القلـّة!

أفادهم بقطع رأس الجاموسة؛ وهكذا كان؛ هنا التفت إليهم «بدل من البكاء عـلى الجاموسة؛ احمدوا اللـه الذي قيـّض لكم عـمدة مستنيراً مثلي؛ فدون مشورتي… ماذا كنتم ستصنعـون؟».

نعـود لهذا المرض النفسي؛ والذي يختلف جذرياً عـن الثقة بالنفس عـند المديرين؛ أو الكاريزما..! إنه يقود لقرارات خاطئة؛ لكونه مستنداً إلى نزوة فردية؛ وليس نتاج عـمل عـلمي وقرار جماعـي؛ ما قد يتسبـّب في غـرق المؤسسة. (والأمثلة كثيرة).

بعـض المراقبين الاقتصاديين يرون أنه كان وراء قرارات متسرعـة وعـنيدة لكارلوس غـصن؛ المدير اللبناني الشهير لشركات السيارات العـالمية «والذي اعـتقد لوهلة بأنه أسطوري ولا يخطئ»؛ مما دفعـت ثمنه شركة «نيسان»؛ فقامت بمقاضاته وسجنه في اليابان «وباقي الحكاية تعـرفونها».

الحلول: ليست سهلة كما قد يبدو؛ والأفضلية لاتخاذ قرارات جماعـية؛ فالمدير الملهم شخصية قد تكون خيالية «كالغـول والعـنقاء والخل الوفي»!

لوحظ تحسـّن سلوك المايسترو المتعجرف لإحدى الفرق الموسيقية العـالمية؛ مبدياً تواضعـاً ملموساً تجاه زملائه بالفرقة؛ ولما سئل عـن السبب أجاب: «أتيت للتمرين ناسياً عـصا إدارة الفرقة؛ فلما ذكرت ذلك؛ أخرج ستة من عـازفي الكمان والتشيللو عـصا من كم بدلتهم» – كناية أنهم يهيئون نفسهم لاستلام إدارة الأوركسترا- عـندها عـرفت أنني لست فريد عـصري!

في الختام؛ ببعـض الأحيان يجب تقبـّل بعـض من «غـطرسة» المدير؛ فلنتذكر: هو ليس دائماً عـلى حق؛ ولكنه دائماً «المدير».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن