فجأة ظهر عدد غير قليل بألقاب اقتصادية مختلفة، وأفتوا بأن 40 بالمئة من السوريين يعيشون على الحوالات، بعضهم نقل المعلومة باحترام لسمعته، إذ قال: إن الرقم تقديري وغير مستقى من جهة رسمية. وإنه يتعامل مع الحوالات التي تصرف من الكوى الرسمية وبسعر المصرف المركزي.
سابقاً اعتدنا أن نقرأ لخبراء اقتصاديين أن النسبة هي 80 بالمئة..
واضح أن الفرق شاسع وعندما نترجمه إلى مال يظهر التفاوت الكبير ما بين ملياري دولار إلى خمسة مليارات دولار في السنة وهذا الرقم الأخير مهم جداً، يعادل دخلنا من النفط قبل أن تسرقه أميركا بإدعائها الحرب على الإرهاب فوق أراضينا من دون طلب منا.
بديهي أنه لا يمكن بناء اقتصاد على إعانة الأبناء، فهذا المال يذهب إلى الاستهلاك اليومي ولا ينجز بنى تحتية إنتاجية تتحول إلى ينبوع معطاء.
ولكن مكره أخاك لا بطل، إذ من دون هذه المساعدة القيمة، التي تجسد كل المواعظ الأخلاقية، عن العرفان بالجميل والوفاء للأهل والوطن، لكان وضع السوريين أسوأ بكثير.
أنا أميل إلى نسبة الـ 80 بالمئة لأن لها تمثيلها العملي في الأسواق العامرة بالسلع المتنوعة وبالمتسوقين، لا يمكن حجب الشمس بغربال أو الاختفاء وراء الإصبع، ثمة عرض هائل لكل ما يخطر على البال من سلع ومنتجات غذائية أو أدوات منزلية، وهناك إقبال كبير على الشراء، من دون بذخ، فالأهل يدركون أن أبناءهم في بلدان الاغتراب، ليسوا أثرياء، ولاسيما بعد موجات التضخم المالي وارتفاع الأسعار، وتوقف كثير من المؤسسات والمصانع عن العمل بسبب كورونا، ثم اضطرار روسيا إلى العملية العسكرية في أوكرانيا والتكتل الغربي الشرس ضدها.
ولهذا نجد أن الكثافة الكبرى للمتسوقين هي في الأسواق الشعبية، وأسعار هذه الأسواق أدنى في أغلب الأحيان من الأسعار في المحال العادية المنتشرة على جانبي الطرقات، والحارات، كدكاكين أو سوبر ماركات أو مولات.
وناسنا مثل كل شعوب الأرض، يبحثون عن الأرخص، وكان لنا تجارب متقدمة في هذا المجال تجسدت أخيراً في السورية للتجارة. ومن المؤسف أن منافذها لم تواكب الزيادة السكانية الهائلة في سورية، وظلت مجرد برّاكات ضيقة لا تليق بعرض وبيع المواد الغذائية، وهي لا تشكل أكثر من 10 بالمئة من حجم الأسواق الخاصة، وتماثلها في ذلك المؤسسة العامة للدواجن والمؤسسة العامة للحوم.
يجب الانتباه إلى أن هذه النسب المتدنية لم تعد مجدية اليوم وأفقدت المؤسسات الحكومية فعاليتها وقدرتها على التأثير.
أاستغرب كيف ينبري هذا وذاك، للتأكيد بصوت عال على أنها مؤسسة كبيرة وقادرة، وهي عملياً10 بالمئة من حجم السوق..!! كيف يجرؤ من يتحدث ومن أرقى المنابر عن كبرها وأهميتها وهي على صعيد بيع اللحوم والدواجن دكان، في حي أشبه بمدينة، يحتوي على مئات القصابين وباعة الفروج…؟ وهو حي محظوظ على أي حال إذ ليست كل الأحياء قد حبيت بما حبي به ولاسيما أن أسعارها أقل بثلاثة آلاف ليرة عن سعر السوق الشعبي للكيلو غرام الواحد من اللحم أو الفروج.
إن السبيل إلى حياة معيشية أفضل، نقوى فيها على مواجهة الظرف الصعب، تتطلب من جانب، العودة الصارمة إلى القطاع العام ومؤسساته، واقتصار البيع في الصالات والمولات على السلع الأساسية، ومنتجات المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، والخضر والفواكه من الحقل إلى المستهلك، ومن جانب آخر يجب اعتماد. برامج توعية تنجز تلاؤما، بين واقعنا المعيشي، وأنماطنا الاستهلاكية، بجرأة ومنطق سديد.