في الذكرى السابعة عشرة لرحيله مبدعاً مميزاً … مصطفى العقاد.. اخترق أبواب هوليوود بطاقته الإبداعية الكبيرة محافظاً على انتمائه العربي والإسلامي
| وائل العدس
هو الفارس العربي الذي امتطى صهوة المجهول، هو طائر بأجنحة الحلم، سلاحه الوحيد الإيمان بالله والوطن، صمم أن يجعل الشمس تشرق من الغرب، فشرقت شمسه بفيلمي «الرسالة» و»عمر المختار»، فكان أول وآخر عربي اخترق العقل الغربي.
انتصر على غربة الغرب ولم يستسلم لها، وبقي قلبه الواسع وسع الوطن ينبض بالعربي، فبقي اسمه مصطفى وليس ستيف، وأبو طارق ومالك وزايد وريما التي لم يطق البعد عنها فحضنها وحط معها في جنة اللـه عندما اغتالته يد الكفر والتكفير في لحظة كان يفخر فيها لفرح الآخرين.
أدرك مبكراً بأن الإسلام رسالة وليس تزمتاً، وأن الأديان وجدت كي تنظم حياة الإنسان وتهذب سلوكه.
في عام 2010 أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مرسوماً جمهورياً يقضي بمنح المخرج الراحل مصطفى العقاد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تقديراً لإبداعه وخدمة وطنه وأمته بكل إخلاص ونزاهة وتجرد وانتماء.
الانتماء العربي الإسلامي
ولد المخرج الكبير مصطفى العقاد في حلب عام 1930، ثم غادرها إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإخراج والإنتاج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وأقام فيها حتى أواخر مراحل حياته.
كان والده رافضاً دخوله مجال الإخراج ولكنه في النهاية شجعه على المضي قدماً والسعي لتحقيق طموحه، وكان مربياً فاضلاً علّمه الدين الإسلامي على أنه دين الرحمة والعدل والمساواة، وعند سلم الطائرة قدّم له مبلغ مئتي دولار والقرآن الكريم ليكون مؤنساً له في وحدته وغربته وحط رحاله في كاليفورنيا حيث درس في جامعتها وتفوق على كل زملائه ولا يزال اسمه بين قائمة المتميزين في هذه الجامعة، ونال الجائزة الأولى في الجامعة.
استطاع العقاد أن يخترق أبواب هوليوود بطاقته الإبداعية الكبيرة محافظاً على انتمائه العربي والإسلامي فلم يقبل أن يغير جلده العربي وعندما سألوه: لماذا لم تغير اسمك لتجد فرصاً أفضل؟ أجاب: كيف أغيره وأنا ورثته عن والدي.
كان يريد أن يتعرف العالم إلى الإسلام الحقيقي، وكان يريد أيضاً أن يعرّف الغرب بجوهر هذا الدين الذي يقوم على المحبة والمعاملة بالحسنى.
في تشرين الثاني عام 2005 استشهد العقاد مع ابنته في التفجير الإرهابي الذي حصل في أحد فنادق عمّان، عندما كانا يهمان لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء.
كان قبل استشهاده يحضّر لعمل فيلمين سينمائيين أولهما يتحدث عن فتح الأندلس والآخر يتحدث عن صلاح الدين الأيوبي، يوازيان جودة الأعمال السابقة.
ما بين الرسالة والمختار
عند إخراجه فيلم «الرسالة» استشار علماء الدين المسلمين لتفادي إظهار مشاهد أو معالجة مواضيع قد تكون مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي.
ورأى الفيلم كجسر للتواصل بين الشرق والغرب وخاصة بين العالم الإسلامي والغرب ولإظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام.
وذكر في مقابلة أجريت معه عام 1976: «لقد عملت الفيلم لأنه كان موضوعاً شخصياً بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام. أنه دين لديه 700 مليون تابع في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، ما فاجأني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب».
كان يريد أن يتعرف العالم إلى الإسلام الحقيقي وذلك الدين السماوي، دين التوحيد، وهو من اللـه لكل الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
وكان يريد أيضاً أن يعرف الغرب بجوهر هذا الدين الذي يقوم على المحبة والمعاملة الحسنة، وعندما سألوه: «لماذا لم تأت ببطل مسلم ليجسد دور عمر المختار وأتيت بالنجم أنتوني كوين؟ قال لهم: «لكي يقتنع الغربيون بقضيتنا وبالظلم الذي لحق بنا لا بد من تقديم قضيتنا من خلال وجوه يعرفونها ويحبونها، فلا أحد في الغرب سيشاهد فيلماً عن العرب يقوم به العرب، ولكن بهذه الطريقة نقوم بلفت نظرهم وحثهم على مشاهدة ما نقدمه وبالتالي تفهم حقيقتنا ومعرفة قضايانا».
أعلى نسبة مشاهدة
ابنة شقيق العقاد ورئيسة جمعية «الفينيق» ديمة العقاد قالت عند عرض فيلم «الرسالة» بنسخته المحدثة قبل أربعة أعوام: مصطفى العقاد حمل معه الحضارة السورية وروح الإسلام الحقيقي ورسالته، عندما كان شاباً صغيراً كان يقول إنه يريد أن يصبح مخرجاً عالمياً في هوليوود، في ذلك كان كلامه كمن يريد الصعود إلى القمر، وبعد بضع سنوات سافر ليحقق حلمه محملاً بأخلاقه وأحلامه وإنسانيته.
وأردفت: ما بين رحيله عن حلب وبين رحيله الأخير عنا كانت له مسيرة طويلة حافلة بالعطاء والتحدي، وكان طموحه أن ينقل للعالم الصورة الحقيقية للحضارة العربية، وليثبت أن الإسلام دين التسامح والسلام، فحمل في جعبته سيناريو «الرسالة» أكثر من 15 عاماً ليتمكن من تحقيقه أخيراً، وفي ظاهرة غير مسبوقة تم تصوير نسختين في آن واحد، العربية والأجنبية مع فريق من الممثلين مختلف تماماً، وتمت ترجمته إلى 30 لغة عالمية وعزفت موسيقاه الفرقة السيمفونية الملكية البريطانية، وعرض في 300 صالة في الولايات المتحدة وحدها، وبلغت ميزانيته 10 ملايين دولار، وفاقت إيراداته 100 مليون دولار، وكان أكثر فيلم تناول الإسلام في عمقه، وحقق أعلى نسبة مشاهدة في العالم.
وبينت أن عمها كان يقول إن سلاح الإعلام أقوى من سلاح الدبابات وأقوى من أي سلاح، كان في أعماق روحه ينبض نبلاً وكرماً، وكان ينتقل من مكان لآخر ليسهم في دعم المشاريع الخيرية والإنسانية في سورية وخارجها، وكان يتبني المواهب الشابة ويقدم لها كل الدعم والتشجيع، وكانت أبواب بيته مشرّعة للجميع حتى أصبحت أشبه بمضافة.
وكشفت أنها ولدت في السنة نفسها وفي المكان نفسه الذي صور فيه الفيلم في قلب الصحراء، وقد اختار المخرج الكبير اسمها بنفسه.