من دفتر الوطن

من يمتلك القلم!

| عصام داري

عليّ أن أكون رزيناً وازناً متوازناً جاداً وجدياً جداً، أحمل صفات شخصية سياسية قاسية الملامح حادة في ردات الفعل عندما أتعرض لهجوم سياسي أو إعلامي، أو أكون ذلك الصحفي الملتزم الذي لا يعرف الوجع والألم.

ليس لديّ حرية الخيار ما دمت كنت أكتب الافتتاحية السياسية والتعليق السياسي الذي يعبّر عن موقف دولة، وتتناقل كتاباتي وكالات الأنباء باعتبارها موقفاً سورياً رسمياً، حينها لم أكن أفكر كثيراً في الأمر.

أنا ممنوع من كتابة الزاوية الساخرة والناقدة كي لا أفقد هيبتي السابقة، وحتى اللاحقة، والأفضل أن أبقى في الظل وأعتزل الكتابة بالمرة!

ثم إنني مطالب بعدم إفشاء الأسرار عندما كنت في موقع المسؤولية الإعلامية كرئيس لتحرير إحدى الصحف الرسمية في البلد.

يا جماعة، حتى أخطر أجهزة الاستخبارات في العالم يميط اللثام بعد أعوام محددة عن أسرار ربما تكون قد غيّرت تاريخ البشرية والعالم، فلماذا لا أكشف عن أسرار صغيرة جداً، وهي أصلاً ليست أسراراً ويعرفها معظم الناس.

يقولون لي: لا يحق لك انتقاد الأداء الحكومي، وقد كنت في يوم ما جزءاً من المنظومة التي تدافع عن ذلك الأداء، باعتبارك تدير صحيفة حكومية حينها.

أولاً، التوصيف ليس صحيحاً، فالإعلام ينقسم إلى جزأين: رسمي وخاص، ولا يوجد إعلام حكومي بمعنى أن يدافع عن الحكومات، مع أن تلك الحكومات تعتبر كل وسائل الإعلام الرسمية هي وسائل إعلام حكومية.

في اجتماع بين رئيس وزراء سابق ومعظم مفاصل الإعلام الرسمي، إن لم يكن جميع المفاصل، قال هذا المسؤول إنه أراد أن يخصص هذا الاجتماع للإعلام «الوطني»! وكأن الإعلام الخاص ليس وطنياً!.

أنا متأكد أن هذا المسؤول لم يكن يقصد ذلك على الإطلاق، وإنما قصده أن يجتمع مع إعلاميي المؤسسات الرسمية، لكن التعبير خانه للأسف، وغلطة الشاطر بمليون وليس بألف.

وما زاد الطين بللاً أن المسؤول انتقد من سماهم بعض الصحفيين الذين لا يعرفون الفرق بين الدولة والحكومة، يومها أجبته على ما أذكر بأننا نعرف الفرق بينهما جيداً، لكن المشكلة أن الحكومة، أو الحكومات جميعها، تريد للإعلام أن يكون «إعلام الحكومة».

ما علينا، المهم لم أكن في يوم من الأيام مدافعاً عن الخطأ والفساد في أي موقع كان، وعندي الكثير من الأمثلة التي يعرفها أشخاص كانوا في موقع المسؤولية، وربما حمّلني بعضهم مسؤولية تحقيقات وزوايا نشرت في الصحيفة لم تعجب بعض المتنفذين أو المقربين من هؤلاء المتنفذين!.

ثم من قال إني ممنوع من الكتابة الساخرة؟ لقد مارست هذا النوع من الكتابة منذ ما يقرب من أربعة عقود، ولم أتوقف عن هذا النوع من الكتابة في أي مرحلة من مراحل عملي في الصحافة، بما في ذلك زاوية سياسية ساخرة في «تشرين» اسمها «دبابيس» وزوايا ساخرة في صحف ومجلات أخرى، وسأستمر في ذلك إلى ما شاء الله، أو حتى تختفي المظاهر والممارسات التي تبقى الكتابة الساخرة هي الدواء والعلاج الناجع لها.

ومن يمتلك القلم فعليه أن يوظفه بما يخدم الناس، وليس من يخدم هذه الحكومة أو ذلك المسؤول والفاسد!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن