ويقال: لاحت الفكرة في الأفق ولاحَ شعاعها بيارق من وجد وخطوطاً من صمت قد تتحول إلى كلماتٍ، وترسمُ ماهية ما نبتغي رسمه «رسمه» بمحبرة ذواتنا، وأقلام تتمسكُ بهذه الفكرة وتلك، وتؤسس عليها، تؤسس انطلاقة الشيء الذي نريده أن يخرج من عقولنا، ويبصر «النور» بشكل أو بآخر.. ويرتسم وكأنه قناديل الشيء الذي نبتغي تدوير ماهية نوره أو «ماهية فلسفاته التابعة له».. ولاحت الفكرة شعاعاً من تبيان الحلم وبيرقاً من نداء العقل في ساعة الوجد.. في لحظة الاستبراق وما يحمله هذا من عناوين، «بزوغ الفكرة الحالمة» وكأنّها نداء العقل لشيءٍ من السموّ المندمج، سمو عطفها أو وجدها، سمو حالها الموجود في العقول الراقية.
في العقول التي تعي قيمة «الفكرة» تعي عظمة النشوء المُناط بها، وقوة الشيء الذي يجب أن يُحاط بها «وبأجواء انبعاثها» إن صح التعبير.. وبأجواء السير المُناط بها نحو الأعلى.. فعند ولادة الفكرة يجب الانتباه إلى ماهية عظمتها، أو الأقل العظمة التي يُمكن أن تدور حولها وتسير منها وإليها.
كل هذا يؤكد أهمية الفكرة، فربما تكون شرارة لشيء عظيم، لشيء يُمكن أن يؤسس لشيءٍ ما.. فعند بروز أي فكرة لا بد أن نسأل: من أين أتت وكيف لها أن تأتي في هذا التوقيت بالذات؟
كيف لها أن تبلغ ونبلغ معها هذا الشأن أو ذاك؟
كيف نبلور أهمية الاهتمام بها؟ فربّما تأتي «الفكرة» وتكون بحاجة إلى من يتبع معها قانون الجاذبية.. «جاذبية الفكرة بمنطقها العقلاني» وهذا هو محور الشيء الذي ينبغي الاهتمام به.
فكم من الأفكار سقطت سهواً، ولو قُدّرَ أخذها بعين الاعتبار.
لكنا رأينا الشيء العظيم في شأنها وفي شأن غيرها.. «شأن غيرها من الأفكار» التي ينبغي تدوير حالها، تدوير سبل المنطق التابعة له، وهذا بحد ذاته إنجاز لا يمكن إلا الاعتراف به.
فعندما نأخذ شيئاً من قانون «الجاذبية.. ونحاول أن نجذب الأفكار القابلة لشيءٍ من الحياة، أو القابلة لشيءٍ من الرقي.. لشيءٍ من الإبداع الذي يبدأ ربّما بفكرة ما، بوهج لا يُمكن إلا الحرص عليه، لا يمكن إلا الانجذاب إليه، والتوقف عند ماهية حدوده، حدود الفكرة البراقة، فكرة الشيء الذي سيحدث مُستقبلاً.
«الشيء الإبداعي» الذي تضيق وتتسع أفقيته بحسب المدى الذي تنضج به الفكرة، وتأخذ أحقيتها من هذا البلوغ أو ذاك، فعند ظهور إيماءة الفكرة وتحويل منطقها إلى شيء يمكن اعتماده والتقادم إلى حيث جوهره وجوهرها النبيل.. جوهرها الفكري ولحظة انبثاقها، وهذا بحد ذاته يستقرئ ميزات الفكرة، وإتمام شأنها، إتمام نواقص نضوجها الجزئي والكُليّ.. فكم من الأفكار تحتاج إلى «نيوتن» الجاذبية الفضلى، تحتاج إلى حاضنة عقلانية ومُختبر يُحدد مُدركات هذه الفكرة وتلك، وينبعث من حيث جذوتها المُتقدة حقاً، من حيث نباهة وقتها الذي يتسع لكل الاحتمالات وكل الاتجاهات.
وهنا تكمن عظمة أي «فكرة» فربّما تأتي بداية لبحث علمي جديد يختصر الكثير من أوجاع الإنسانية وربّما تأتي بداية لمنهج أدبي جديد تُسمى أفكاره استباقية لمرحلة ما، لمرحلة تحتاج بالفعل إلى أفكار وهّاجة وخلاقة تثبت قدرة العقل البشري على السير إلى الأعلى، وترميز اختصارات الرقي التابعة له.
ترميزها بشيءٍ عظمة الأفكار إذ ما عرفنا كيف نلتقط بعض شعاعها «الضوئي.. الفكري» وبعض الأشياء التي تخصُّ ولادة وبلورة الأفكار الخلاقة العظيمة بالفعل وبزوغ شموس الفكرة الأدبية.