تاريخ البشرية لـ«آرنولد توينبي» … هل ينحصر وجود الكائن البشري للظواهر الطبيعية التي افترضها العلماء؟
| سارة سلامة
كتاب قراءة في تاريخ البشرية لـ«آرنولد توينبي»، صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، للكاتب أحمد يوسف داؤد، يقع في 168صفحة من القطع المتوسط.
وتندرج هذه الطبعة ضمن سلسلة آفاق ثقافية التي تصدر كتاباً شهرياً، ويقدم الكتاب قراءة مدققة لتمحُّلاته في كتاب من أهم كتبه (تاريخ البشرية). يروي ما أساء به المتعصبون للمركزية الأوروبية للعرب ودورهم الحضاري الرائد منذ أسسوا الحضارة في مصر وسورية والعراق عقب انهيار العصر الجليدي الأخير.
ويقول داؤد في مطلع كتابه: «لا يمكن الوثوق بأن العلامة في التاريخ آرنولد توينبي هو في هذا الكتاب أكثر من مسوق فاشل لنظرية المركزية الأوربية، أو تمركز أوروبا على ذاتها، في صياغة تاريخ للغرب الإمبريالي من موقعه الأنجليكاني- إذ لا يكاد يعترف إلا بما جرى اختراعه من تسميات عرقية أولها وأهمها، ما اصطلح على تسميته باسم العرق الآري ومن حصر لدور ما سمي باسم «العرق السامي»، نسبة إلى «سام بن نوح» باليهود وحدهم، الذين يوهم ادعاءاته، أو بعضها وأهمها باحثون من أمثال هنري فرنكفورت، وبيير روسي وسواهما.
هذا الكتاب قراءة مدققة لتمحلاته في كتاب من أهم كتبه «تاريخ البشرية»، آمل أن يجد فيها القارئ فائدة تغني معرفته بما أساء به المتعصبون للمركزية الأوربية للعرب ودورهم الحضاري الرائد منذ أسسوا الحضارة في مصر وسورية والعراق عقب انهيار العصر الجليدي الأخير».
تاريخ البشرية
ويستعرض الكتاب تاريخ البشرية حيث يتألف عدا التصدير، من اثنين وثمانين فصلاً خُصصت الخمسةُ الأولى منها: أولها تحت عنوان ألغاز في الظواهر الطبيعية إذ يعمد توينبي إلى معالجة معجلة لمسألة وجود الكائن البشري ووعيه للظواهر الطبيعية، وإذ يخلص إلى تقبل الداروينية في أمر تنوع الأحياء وصراع أجناسها وصولاً إلى إقرار نظريته في التحدي والاستجابة، ولكن في أعلى صيغة معممة لها تفصح عن نزوعه اللاهوتي إذ يرى بالنتيجة أن الجوهري الذي هو ركيزة الدين هو، ولا ريب، ثابت بثبات جوهر الطبيعة البشرية ذاتها، فهو الاستجابة الحتمية لدى غموض الظواهر الطبيعية، هذا هو التحدي الذي يواجه الكائن البشري بسبب أنه يملك هذه القدرة البشرية الفريدة: قدرة الوعي.
لـ«المحيط الحيوي» ومعناه كمصطلح، وللمخاطر المترتبة على استمتاع البشرية بهدر الثروات المحدودة فيه.
فالمحيط الحيوي يشمل أعلى ذروة تصل إليها الطائرات الحديثة وأعمق بعد يصل إليه المنقبون عن المعادن والنفط وما بينهما من هواء وماء ويابسة.
أما المخاطر الكبرى المترتبة على علاقات البشر المعاصرين بهذا المحيط الحيوي فهي إن ثرواته تنضب بسرعة، وهي ثروات غير قابلة للتعويض، وعليه فإن البشرية الآن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تنقذ نفسها بتغيير طبيعة وجودها وآليات حياتها الراهنة تغييراً حذرياً شاملاً وإما أن تسير سريعاً جداً إلى الانتحار، وهكذا يخلص من هذا الفصل إلى أن موضوع كتابه هذا هو الموضوع الذي يتناوله التأريخ للصدام بين البشرية والأرض والأم منذ بدء التحضر إلى اليوم.
منطوقات التوراة
ويتوسع داؤد أكثر في هذا البحث قائلاً: إنه في البدء نذكر كلمة بيير روسي عن نص، في كتابه «مدينة ايزيس» إذ قال إنه نص يرد مرة واحدة، وفي سياق لا يمكن استنتاج شيء محدد منه، ولذلك فهو لا يصلح دليلاً على صحة المقولات التوراتية.
ومن جهتنا فنحن نعلم أن تحوتمس الثالث كان قد طهر طرق التجارة من قطاعها أكثر من مرة، وهذه الطرق هي الممتدة عبر فلسطين بين مملكته ومملكة الحثيين ومملكة بابل التي كان يسيطر عليها الميتانيون آنذاك، وعليه فإنه قد أخذ أعداداً من الأسرى في حملاته التطهيرية، وسموا مصرياً بالأسرى الإيليين «الأسرى جماعة إيل، أسرى إيل، أرى الله»، رأفة بهم كما هو معهود في السلوك المصري تجاه هذه الحالات.
أما إسرائيل التوراة فهو البطريرك «يعقوب» آسر الله كما ينطق بذلك الإصحاح الثاني والثلاثون من سفر التكوين، وفرق بين المفهومين، علماً بأن توينبي يقرر في مكان آخر من كتابه أنه مضطر لقبول منطوقات التوراة بشأن التاريخ اليهودي.
إذن توينبي يعرف أي لعبة يلعب بشأن كلمة «إسرائيل» في مسلة منفتاح ولكنها ليست مغالطته الوحيدة.
من قبائل «إسرائيل ويهوذا» هذه التي يذكرها هو الآخذ بمنطوق التوراة على أنها مهاجرة من شبه جزيرة العرب، مع أن التوراة تنص صراحة على مجيء بني إسرائيل من بلاد الرافدين إلى مصر ثم تخرج إلى فلسطين.
إن إسرائيل ويهوذا يستعملان كمصطلحين مختلفين للدلالة على الدويلتين التوراتيتين اللتين انشقت إليهما مملكة سليمان الوهمية، إذ لم يظهر ما يدل عليها في كل محاولات البحث الأثري التي جرت خلال قرن ونيف في أرض فلسطين هذه هي الخدعة المعرفية الثانية للسيد توينبي وهي تتضمن خدعة ثالثة: القدوم من الجزيرة العربية في هجرة كبيرة مع أن فيليب حتي، المتعاطف مع اليهود مثل توينبي وأكثر، لا يقدرهم عند اقتحام فلسطين بأكثر من 5-7 آلاف نفس، أي قدر العدد الذي يستوعبه حصن كنعاني صغير.