«volne وصية فولني»
| د. اسكندر لوقا
في عام 1787، نشر الرحالة الفرنسي فولني كراسا ضمنه انطباعاته التي خرج بها إثر زيارته لسورية ومصر قبل عامين من تاريخ نشره الكراس، وقال في أحدى فقراته: إن الاستيلاء على مصر أولا وسورية ثانيا يجب أن يكون محور السياسة التي تريد السيطرة على عموم الشرق الأوسط.
هذه الوصيّة، كما هو معروف، وجدت طريقها إلى التطبيق، بعد الثورة الفرنسية في سنة 1789 على يد نابوليون بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر. ولأن الوصية كان مسندها ما شاهده فولني على أرض الواقع، فقد اعتمدت من جانب دول الاستعمار القديم نسبيا من دون انتظار. وفي سجل التاريخ، أن فرنسا استطاعت تحقيق حلمها في منطقة الشرق الأوسط سواء عبر اتفاقية سايكس– بيكو أو عبر احتلال المدن الساحلية في سورية بدءا من لواء الاسكندرونة، وصولا إلى عمق الأراضي السورية في عام 1918 وما بعد.
على هذا النحو، غالبا ما تعمل الدول التي تعد كبرى في تاريخ البشرية. ولأن فرنسا كانت من بين تلك الدول، استغلت كل فرصة أتيحت لها وترجمت حلمها إلى واقع، في سورية كما في لبنان. ومعروف أن هذه الوصية لم تكن فريدة من نوعها وزمانها. فقد سبق فولني العديد من الذين زاروا بلدان الشرق الأوسط، وكانت رؤيتهم إليها أنها البوابة العريضة لدخول دولهم إلى مختلف أرجائها واستثمار ما في جوف أراضيها من كنوز دفينة، هذا فضلا عن الرغبة في إخضاع سكانها لإرادتهم، إن لم يكن سلما فبقوة السلاح.
على هذا النحو تبقى منطقتنا، حتى اليوم، منطقة أمل بالنسبة للدول الاستعمارية وخصوصاً تلك التي عرفت عبر تاريخها الاستعماري منذ أن وجدت. ولأن واقع المنطقة يفرض عليها التزامات لا مجال للمساومة فيها، دفعت ولا تزال تدفع ثمن رفضها الخضوع للمستعمر المعاصر وتسليم أمرها إليه مهما كان لونه ومهما كانت قوته. ومن بين دول المنطقة سورية اليوم وهي تقف صامدة في وجه العدوان العالمي الذي شن عليها كي تبقى تحت العباءة الاستعمارية، أميركيا كان أم بريطانيا أم فرنسيا وسوى ذلك. وهي إذ تحقق انتصارات باهرة على أرض المعركة مع قوى الشر الممثلة بجماعة الدواعش وإفرازاتهم على الأرض، فإنما تدافع لا عن أرض المعركة فحسب، بل عن مجمل بلدان المنطقة، وصولا حتى إلى بلدان في خارج المنطقة في أوروبا وأميركا كما تتناقل وسائل الإعلام أنباءها هذه الأيام.
يقول الكاتب الفرنسي لارو شوفوكو [1842– 1912]: التنوع الجغرافي يؤدي إلى التنوع في استخدام أساليب التصدي للاستعمار.
وهذا ما تدعو إليه سورية، على الدوام، لتكون مواقف الدول الرافضة للاستعمار والعدوان مواقف موحدة ومؤثرة وإن كانت متباعدة بعضها عن بعض.