في حسابات الميدان العسكري وموازينه التي تتغير يومياً أو بالأحرى لحظياً، فإن العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية إقليم دونباس في منحاها الاقتصادي والمادي أكثر شراسة وتأثيراً في مجريات المعركة بمنظور شامل.
معظم الخبراء العسكريين أكدوا أن تغيير التكتيكات العسكرية الروسية رمم الجبهات، بينما أحدث استهداف منظومات الطاقة في أوكرانيا جموداً لوجستياً كبيراً لدى قوات كييف التي باتت شبه مشلولة في عمليات الإمداد وتعويض الخسائر في الأفراد والمعدات، إذ ينبغي على السلطات الأوكرانية أن تختار بين توفير الكهرباء للأحياء التي فيها المدنيون، أو الاستمرار في استخدام بقايا المنظومة المخصصة للخدمات العسكرية، وخاصة أن أسطول قاطرات الديزل لديها متواضع بالنسبة لطول وتعدد الجبهات وحجم القوات المشاركة في العمليات القتالية وذلك بحسب الخبير العسكري المعروف أليكسي ليونكوف.
أما الخبير العسكري أليكسي سوكونكين فقال «إن انقطاع التيار الكهربائي عن أوكرانيا سيؤثر أيضاً في خط المواجهة وخاصة أن هناك أنواعاً من الأسلحة والمعدات التي تحتاج إلى إعادة شحن مستمرة، فالطاقة مطلوبة لشحن بطاريات أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة التصوير الحرارية والمروحيات وأجهزة التحكم عن بعد للمروحيات والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية اللازمة للتحكم في المعركة وتصحيح إطلاق النيران والعديد من الأشياء الأخرى التي تحتاج للكهرباء.
كل ذلك يجعل من الإجابة عن سؤال منطقي حاجة ملحة، وذلك حول الأسباب التي جعلت أوكرانيا توقف ضخ النفط الروسي عبر خط «دروجبا» إلى أوروبا لفترة معينة ثم عاودوا عمليات الضخ؟
طبعاً الجواب على لسان الخبراء جاء بأن إيقاف الضخ أمر غريب! أما تفصيل السبب كان ما جاء في صحيفة «أرغومينتي أي فاكتي» الروسية التي قالت: «إن نقل النفط الروسي عبر الأراضي الأوكرانية يتطلب اتفاقية بين ترانس نفط وأوكرترانس نفط»، فالاتفاق الحالي ساري المفعول حتى نهاية العام ولن يتم التوقيع على الاتفاقية التالية للعام 2023، لأن أوكرانيا أدرجت جميع أعضاء مجلس إدارة ترانس نفط الروسية في قائمة العقوبات، وخاصة إذا ما علمنا أن «دروجبا» واحدة من أكبر منظومات خطوط أنابيب النفط في العالم حيث يمر الفرع الشمالي منها عبر أراضي بيلاروس وبولندا وألمانيا، والفرع الجنوبي عبر أوكرانيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر.
من الوقت الحالي وإلى نهاية العام الجاري الاتفاقية سارية المفعول ولكن من دون فائدة، لأن مضخات خطوط أنابيب النفط تعمل بالكهرباء، ولا يوجد كهرباء في أوكرانيا بعد الضربات الدقيقة للقوات الروسية على مصادر الطاقة، إضافة إلى عدم وجود مولدات ديزل، والتي كان من المفترض أن تعمل تلقائياً في حال انقطاع التيار الكهربائي.
إذاً باتت الحرب هناك حرب استنزاف لكل الأطراف ومن يتألم أولاً يخسر، ولكن بقياس الإمكانات في ظل أزمة اقتصادية عالمية تطل من باب الغذاء والطاقة، فإن الكفة تميل لحساب موسكو ضد المنظومة الغربية بأكملها.