اعتاد كتّاب وقادة وصحفيو الحركة الصهيونية على تزييف وتحريف الحقائق حتى لو كانت واضحة وقاطعة أمام أعين وعقول العالم والعقلاء فيه وحتى في عهد ثورة الاتصالات وما تبينه بالصوت والصورة للأحداث، وهم لم يوفروا أي حدث يثبت إرهابهم وقتلهم للأطفال الفلسطينيين إلا وعملوا على تحريفه وتزييفه وإذا لم يفلحوا فسرعان ما يتجهون نحو نفي وجود الحدث نفسه، وللأسف الشديد يجدون من يرعى أكاذيبهم ويروجها لمصلحتهم على الملأ. فالطفل الشهيد محمد الدرة ابن الـ12 عاماً شاهده الملايين في 30 أيلول عام 2000 على شاشات القنوات التلفزيونية وهو يموت بطلقات جنود الاحتلال بوضع مؤلم حين كان والده يحتضنه على الأرض لحمايته من الطلقات النارية، ورغم هذه الحقيقة نفى عدد من المسؤولين الإسرائيليين أن يكون الطفل قد مات، ثم حين لم تنجح هذه الأكاذيب زعم قادة جيش الاحتلال أن الطلقات التي قتلت الطفل كانت قد أطلقت من قبل الفلسطينيين وليس من الإسرائيليين، وحاولت قنوات الإعلام الإسرائيلية ترويج هذه المزاعم وتوزيعها على قنوات أجنبية فضائية لكي لا يظهر جيش الاحتلال على حقيقته جيشا إرهابياً وقاتلاً للأطفال ولكنها فشلت.
ومن جهة أخرى تحاول قيادة الكيان الإسرائيلي الآن العمل على عدم الاعتراف بقدرة فصائل المقاومة على تكبيدها خسائر بشرية فادحة خوفاً من حدوث انهيارات معنوية في صفوف الجيش والمستوطنين، ففي 11 تشرين الثاني عام 1982 بعد خمسة أشهر على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، نفذ الشاب أحمد قصير من مقاتلي حزب اللـه والصغير ابن الـ17 عاما عملية استشهادية قاد فيها سيارة من نوع بيجو محملة بالمتفجرات وفجرها في وسط مجمع لقوات الاحتلال الإسرائيلية في مدينة صور، وذكر الصحفيون الأجانب في لبنان أن هذه العملية أدت إلى مقتل 91 منهم 75 من الضباط والجنود الإسرائيليين من أفراد قوات الاحتلال المقيمين بالثكنة العسكرية، فلم تجد إسرائيل مفراً من الاعتراف بهذا العدد، ومع ذلك وبعد مرور أربعين عاما على هذه العملية نشرت المجلة الإلكترونية الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنكليزية باسم «إسرائيل تايمز» في 17 تشرين الثاني الجاري مقالاً بقلم: إيمانويل فابيان يكشف فيه أن قيادة الجيش الإسرائيلي قررت إعادة التحقيق بالانفجار الذي وقع عام 1982 في الثكنة الإسرائيلية في مدينة صور وشكلت لجنة من المخابرات العسكرية والمخابرات السرية الداخلية المعروفة باسم «شاباك» وقيادة الشرطة الإسرائيلية لدراسة «ما جرى في هذا التفجير وأسبابه»، رغم أن محرك سيارة البيجو التي استخدمها أحمد قصير عثر عليه في وسط الانفجار وتبين لقيادة جيش الاحتلال أنه ليس من المحركات المستخدمة في سيارات الثكنة الإسرائيلية، وكان من يوصف بمؤرخ الاستخبارات الإسرائيلية رونين بيرغمان قد نشر كتابا عام 2007 ذكر فيه أن ثلاثة شهود أفادوا بعد العملية أنهم شاهدوا سيارة البيجو وهي تدخل ثم وقع الانفجار، لكن فريق التحقيق المشترك حاول بموجب ما نشرت مجلة «إسرائيل تايمز» الادعاء بأن الانفجار وقع بسبب تسرب للغاز، ويبدو أن هذا الادعاء يراد الآن ترويجه لكي لا يسجل التاريخ أن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب اللـه كبدت جيش الاحتلال 75 قتيلا في لحظة واحدة، وكانت المقاومة قد كررت عام 1983 في الرابع من شهر تشرين الثاني هذا النوع من العمليات حين تعرضت قاعدة عسكرية إسرائيلية في نفس صور لعملية مماثلة من حزب اللـه قتل فيها باعتراف إسرائيل 28 بين ضابط وجندي، علماً أن نسبة الجرحى في مثل هذه العمليات غالباً ما تزيد على ثلثي عدد القتلى وتجنبت إسرائيل ذكر عدد الجرحى.
الحقيقة التي أكدتها الخسائر البشرية التي تكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان طوال 18 عاماً من المقاومة المستمرة المدعومة من سورية والجمهورية الإسلامية وفصائل المقاومة الفلسطينية، هو أنه أجبر على الانسحاب عام 2000 من جنوب لبنان من دون قيد أو شرط، وهو نفس ما أجبر على تنفيذه جيش الاحتلال حين انسحب من قطاع غزة عام 2005 بعد أن كبدته المقاومة الفلسطينية الخسائر البشرية في صفوف جنوده والمستوطنين طوال سنوات انتفاضة الأقصى المسلحة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعجز عن التخلص من هذه المقاومة التي فرضت عليه رغم حصار قطاع غزة منذ عام 2007 أربع حروب ضد القطاع لم ينتج عنها سوى هزائم متتالية لقواته وسياسته التوسعية.