قضايا وآراء

مواجهة الفساد انطلقت فهل ينجح السوداني؟

| أحمد ضيف الله

باشرت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني مهامها الدستورية بعد حصولها على ثقة المجلس النيابي في الـ27 من تشرين الأول 2022، بعد أزمة سياسية امتدت لأكثر من عام. وحكومة السوداني هي تاسع حكومة تتشكّل في العراق منذ العام 2003.

ومع انعقاد الجلسة الثانية العادية لمجلس الوزراء في الأول من تشرين الثاني الجاري، التي بُحث فيها مجمل الأوضاع العامة في العراق، السياسية والاقتصادية والخدمية، بدأ اختبار قدرة الحكومة الجديدة على الاضطلاع بالمهمّات الرئيسة التي أخذتْها على عاتقها، ولا سيما مكافحة الفساد التي تتطلّب إرادة قوية من القوى المشاركة فيها في منْح الدعم وحرية الحركة لرئيس الحكومة، وخاصة بعد أن وضع السوداني مدة زمنية ملزمة لكل خطوة ضمن منهاجه الحكومي، والذي كان من أبرزها تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، ما يعني أن السوداني حدد عمر حكومته بسنة.

محمد شياع السوداني أكد في منهاجه الوزاري على التزام حكومته «ببناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوماً من تاريخ تشكيلها»، ما يجعل من إمكانية محاربة الفساد في غضون السنة أمراً في غاية الصعوبة.

إن شعار محاربة الفساد والإصلاح، وهو مطلب كل عراقي، لم يعد براقاً أو مقنعاً لانعدام ثقة العراقيين بالوعود الحكومية المتكرّرة في جهود مكافحة الفساد، وفقدانه الأمل في إمكانية استعادة الأموال المنهوبة، فالشعار سبق أن رفعته كل الحكومات السابقة، بمن فيها حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة التي كانت قد شكلت لجنة خاصة لهذا الغرض، وأجبرت على حلها لاحقاً بأمر من القضاء للتجاوزات والمخالفات التي قامت بها!

محمد شياع السوداني تسلم إدارة الحكومة من سلفه مصطفى الكاظمي على وقع أكبر فضيحة فساد في تاريخ العراق الحديث المتمثلة باختفاء نحو 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب بعملية اختلاس وسرقة منظمة! وقد اعتبر لدى زيارته هيئة النزاهة، أن «أول المعايير في تعامل الحكومة مع حكومات الدول هو مدى تعاونها مع العراق في استرداد المدانين والأموال المُهرَّبة»، وزيارته للأردن في الـ21 من تشرين الثاني الجاري، كانت من بين أهم أهدافها المطالبة بتسليم المطلوبين بقضايا الفساد ونهب المال العام، الموجودين في الأردن.

إن إيلاء ملف مكافحة الفساد الأولوية، وتقوية المؤسسات الرقابية ودعمها، وعدم التردد في ضرب رؤوس الفساد بالطرق القانونية والدستورية، والحزم في لجم الفاسدين، من شأنه كسب رضا الشارع، ما يدعم استمرار حكومته، وإلا فإن التيار الصدري، وهو أول المتربصين بحكومته سيجد الفرصة مناسبة لبدء معركة إسقاط حكومته.

إن أمام السوداني فرصة ذهبية في استثمار الدعم السياسي المقدم من «الإطار التنسيقي» على وجه الخصوص، ومن كل القوى السياسية الرئيسة المشاركة في حكومته، لإثبات قدراته في معالجة ملف الفساد والنجاح فيه، وخاصة بعد اختياره الموفق لوزيرة المالية طيف سامي، العاملة بنجاح وتفانٍ في وزارة المالية منذ العام 1985، والتي تتمتع بسمعة طيبة ونزاهة في مكافحة الفساد وتصديها للفاسدين، والمعروفة بـ«المرأة الحديدية»، والمشهورة بعبارتها «روح ماكو فلوس».

الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، كانت قد قالت في كلمة لها خلال ملتقى الشرق الأوسط 2022 المقام في أربيل بعنوان «عراقٌ للجميع» في الأول من تشرين الثاني 2022، بمشاركة سياسيين وباحثين من داخل العراق وخارجه: إن «هناك فساداً كبيراً في العراق، وهو التحدي الأكبر»، و«الفساد مسألة مرتبطة بالنظام في العراق منذ 20 عاماً»، مشيرة إلى أن «الانتخابات السابقة شهدت مشاركة ضئيلة بسبب عدم وجود حكم رشيد وغياب المحاسبة والفساد المستمر».

في الثاني من تشرين الثاني الجاري أُحبطت «إحدى أكبر عمليات تهريب وسرقة النفط في البصرة، تقوم بها شبكة يقودها أحد التجار وتضم ضباطاً برتب عالية وموظفين كباراً»، وقدرت الكميات المهربة «بمعدل 57 مليون لتر شهرياً»، بحسب بيان جهاز الأمن الوطني، ما يؤشر إلى الجدية في تنفيذ ما تعهد به السوداني، بتفكيك منظومة الفساد في العراق، مبتدئاً مشواره، بكشف واحدة من أضخم قضايا الفساد المتعلقة بـ«تهريب النفط».

حكومة محمد شياع السوداني الممثلة لكل القوى السياسية العراقية الرئيسة، هي الفرصة الأخيرة لقوى الأحزاب التقليدية المشكلة لها لاستعادة الثقة المفقودة بين هذه القوى والشعب العراقي، فمحاربة الفساد والإصلاح مسؤولية تضامنية تتحملها جميع القوى المشاركة في الحكومة.

مواجهة الفساد انطلقت، إلا أن الوقت مازال مبكراً لتقييم أداء الحكومة فيه، ليبقى رصد الأداء والنجاح سيد الموقف حتى نهاية الـ90 يوماً التي حددها السوداني «ببناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد»، وبعدها لكل حادث حديث.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن