عندما انتهت مباراة قطر والإكوادور بنتيجة وأداءٍ باهت للمنتخب القطري عنونَت الغارديان البريطانية تقريرها عن المباراة بالقول: هناك أشياء لا تُشترى بالمال!
كانت الصحيفة تغمز من جهة التقرير الذي تم نشرهُ قبل انطلاق المونديال بساعاتٍ عن عرضٍ تلقاه المنتخب الأكوادوري بحصول كل لاعب على مبلغ مالي بهدف تعمد الخسارة في المباراة الافتتاحية، لا أحد يستطيع نفي أو تأكيدَ تقرير الغارديان لكن ما يمكن تأكيده أن هذه العبارة لا يبدو أنها تحكم المونديال بشقهِ الرياضي فحسب.
تركَ حفل افتتاح كأس العالم الكثير من الانطباعات المتناقضة لدى من تابعهُ، تحديداً أن الحفل كان مُنتَظراً لأسبابٍ عدة أهمها البزخ المادي والتقني المفرِط ما استدعى جلب خبراتٍ فنية وتقنية من كل دول العالم التي تمتلك تقنيات الإبهار بالصوت والصورة بشرط أن تستند إلى أفكار جميلة تحمل رسائل هادفة يجسدها هذا الحدث العالمي، الأفكار هنا يجب أن تكون وليدة البيئة أو الحيز الجغرافي الذي يستضيف الحدث، هي أشبه بنص درامي اجتماعي قد ينجح بين يدي فريق إخراج من خارج المجتمع لكنه حكماً سيفشل في حال كان النص أساساً قد خطته أناملَ لا تنتمي للبيئة التي يستهدفها النص، لكن ما جرى في حفل الافتتاح بدا خارج التوقعات تماماً، فالإبهار لا يصنع علامة فارقة في حين الرمزية هي التي تبقى مطبوعة في ذهن المتلقي بسلبياتها وإيجابياتها!
دعونا نتحدث عن اللوحة الأهم في حفل الافتتاح التي أثارت الكثيرَ من الجدل وعنونَها المنظِّمون بـ«تعارف» وهي ضمت كلاً من الشاب القطري من ذوي الاحتياجات الخاصة غانم المفتاح والممثل العالمي مورجان فريمان، بينما بدا وكأنهُ حوار بين جهتين تمثل كل منهما قيماً بعينها، لكن وبواقعية تامة فإن اللوحة فشلت بالاتجاهين:
من حيث الحوار، لا نعرف لماذا تم الاستناد على قيام الحوار عبرَ الآية القرآنية: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، تحديداً أن الآية حددت النتيجة الحتمية لهذا التعارف، لكن اللوحة وعلى طريقةِ «لا تقربوا الصلاة»، تجاهلت أن الهدف من الآية جعل التقية هي الفضيلة التي تميز بين إنسان وآخر، هذه التقية لا تنتمي إلى دين أو مذهب أو قومية هي استكمال لمكارم الأخلاق التي جاءَ الرسول عليهِ الصلاة والسلام ليتممها، هذهِ التتمة جرى إسقاطها ربما لأنها من أكثر الآيات القرآنية التي تجسد فكرة الانفتاح على الآخر، وليسَ النظر إليه من «بوابة جهنم» إن لم ينطق الشهادتين!
من حيث الصورة، هناك من حاول أن يُظهر ضعف جهةٍ على حساب الجهة الثانية، اليد الممدودة هنا من الشخص الأضعف لا توحي بأنها ممدودة للتآخي أو الالتقاء على العكس تماماً ما يمكن قراءته أن هذا الضعيف لن ينهض من دون أن يلقى يداً تنتشله، هكذا فُهمت بمعزل عن النيات.
في الخلاصة: ربما لست وحدي من رأى حفل الافتتاح مخيباً، لكن الكارثة الكبرى هي بمحاولة القائمين عليه إظهار ضعفنا وأننا فعلياً مجتمعات مُستهلكة حتى للأفكار، مقاربة تبدو ظالمة بحق الكثير من المبدعين في العالم العربي ربما ذنبهم أن أحداً لم يطلب منهم أفكاراً يمكن تجسيدها هنا، أو ربما لأن الرسائل التي يجب أن يوصلها المونديال لها ضابط إيقاع واحد يجب ألا يحيد المنظمون عنه!