من دفتر الوطن

خميس أسود

| حسن م. يوسف

(الخير) هو الاسم الثاني الذي يطلقه أهلنا على المطر في كل أنحاء سورية، لكن المطر غير اسمه في اللاذقية خلال الأيام القليلة الماضية، فالمدينة تعيش منذ مساء الخميس الماضي حالة صدمة تنعكس على وجوه الناس في الشوارع وعبر تعليقاتهم المرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

فنتيجة للمنخفض الماطر عاشت المدينة يوم الخميس الماضي كارثة مزدوجة إذ أصيب المواطن صفوان جبيلي بصاعقة على الكورنيش الجنوبي أودت بحياته على الفور، كما أدى تساقط الأمطار الغزيرة لتشكل سيول فيضانيه غمرت الشوارع والأرصفة كما سبق أن حدث قبل أيام. مما أدى لوقوع المهندسة الشابة ندى داؤود في جورة مكشوفة للصرف الصحي في وسط المدينة قرب مفرق سكن الشباب، عند دوار الأزهري، أوتوستراد الثورة.

يقال إن الكهرباء كانت مقطوعة عندما وقعت المأساة. غير أن المريع في الأمر هو أن المهندسة الجميلة ندى داؤود هي الابنة الوحيدة لذويها وقد كانت تمسك بيد أمها عندما وقعت في الجورة المكشوفة، وقد جرفتها السيول لتعلق عند نقطة وصل بين الأنابيب. على عمق خمسة عشر متراً. وهناك مصادر إخبارية تقول إن ندى ظلت عالقة تحت الأرض إلى أن غطس والدها وانتشل جثمانها.

كانت أقنية الصرف الصحي في مدينة اللاذقية قد شهدت في الأسبوع الماضي اختناقات مماثلة حولت المناطق المنخفضة في باب المرفأ وقنينص، ودوار عدن والكورنيش الغربي، إلى بحيرات تسبح فيها السيارات.

ووفقاً لتقاليدنا المؤسفة في تقاذف المسؤولية حملت إدارة المدينة المسؤولية لشركة الصرف الصحي لكونها «هي المعنية بتعزيل الفوهات المطرية والأقنية وخطوط الصرف، وأعمال الصيانة وحل مشكلة الاختناقات». أما مديرية الصرف الصحي فقد أفادت بأن: «السبب هو امتلاء الخط القوسي الرئيسي الذي يخدّم مدينة اللاذقية، بالكامل، ما أدى إلى عدم استيعاب الغزارة المطرية، وارتفاع منسوب المياه عن مستوى الزفت».

خلاصة المسألة، كما يتضح من كل ما نشر عن مأساة الخميس الأسود، هي أن ورشة كانت تعمل في الموقع وتركت فوهة الريغار مفتوحة ولم تضع حواجز حوله لتبعد الناس عنه، والمقلق حقاً هو أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نشروا صوراً عديدة لريغارات وجور مفتوحة في مدننا.

أعترف أن مأساة المهندسة الشابة ندى داؤود هزت روحي من جذورها حيث إنني لا أستطيع أن أنحي صورتها من أمامي حتى عندما أغلق عيني، وأنا إذ أتفهم وأحترم صرخات الألم الصادقة التي أطلقها رواد مواقع التواصل، وخاصة قول أحد الشباب «… رضينا أن نموت بالقذائف والرصاص، لكن هذا الموت يا بلادي.. مذلةٌ لا تغتفر».

لقد وصف أحد الشباب استشهاد المهندسة ندى داؤود بأنه «أسوأ حالات الظلم والفساد التي عرفها العالم». فمن المسؤول عن هذا الظلم؟ أؤمن أن الإجابة على هذا السؤال من حق القضاء وواجبه. لكنني أتهم بالجريمة، إلى جانب المقصرين، كل الجهات المحلية والإقليمية والدولية التي جعلت العتم يخيم على شوارعنا والفقر يسرق العيد من أطفالنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن