قضايا وآراء

تأرجح أميركي بين الدبلوماسية والعسكرة

| رزوق الغاوي

ليس مستغرباً التأكيد مراتٍ ومرات أن مخرجات المسألة الأوكرانية بما اتسمت به من تعقيدات وحملته من تطورات قد زادت من تعقيداتها ليس فقط على صعيد العلاقات الدولية وحسب، بل من تداعياتها الخطيرة تبعاً لما أفرزته تلك المسألة من أزماتٍ حادة كان أشدها وأبرزها وقعاً وتأثيراً أزمة الوقود العالمية التي ألقت بظلالها على العديد من بلدان العالم ولاسيما على دول القارة الأوروبية، بسبب ممارسة الإدارة الأميركية المزيد من الضغوط على الدول المنتجة للنفط، وبصورة رئيسية على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين رفضتا الامتثال لرغبة واشنطن بزيادة مستوى إنتاجهما من النفط، بغية تشديد الضغط الأميركي على الجانبين الروسي والإيراني، ما أدى إلى ذهاب طهران باتجاه تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، فبعد الإخفاق الأميركي في تثمير الضغوط الغربية على إيران، وبهدف الإيقاع بين طهران والرياض، نشرت مجلة «وول ستريت جورنال» الأميركية معلومات غير صحيحة حول هجوم إيراني مزعوم على البنى التحتية السعودية، وترافق ذلك مع مضي أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية في الإعداد لتنفيذ ما سموه «خطة زعزعة النظام الإيراني من الداخل وتقويضه».

من هنا بدأ الغرب الاستعماري بقيادة واشنطن، باستنباط سبل جديدة تكفل تغيير النظام الإيراني، حسبما يتفق مع استراتيجية القوى الغربية المعروفة منذ عشرات السنين، ما دفع طهران للأخذ في الحسبان السعي الغربي المتواصل لنقل المواجهة إلى الساحة الداخلية الإيرانية، باتخاذ الإجراءات الاحترازية الكفيلة بالمواجهة، والذهاب نحو تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، والتحرر من مضامين الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، كَرَدِّ فعل مباشر على انغماس المعسكر الغربي الصريح في ما تشهده الساحة الإيرانية من تطوراتٍ عدوانية تتمظهر وتصبُّ في محاولةٍ مكشوفة لجعل طهران تُذعِنُ لما تمليه عليها واشنطن وهو أمرٌ تعتبره طهران ميتاً منذ ولادته، على الرغم مما تضمنته «خطة تقويض النظام الإيراني من الداخل» من مقدماتٍ إعلامية ودعمٍ مالي وتحريضٍ على زعزعة استقراره بمختلف السبل والأساليب والتدخل المباشر في شؤون إيران الداخلية، عبر مجموعاتٍ مسلحة تم إعدادها مسبقاً شرعت في تنفيذ عملياتٍ عدوانية على المؤسسات الحيوية في البلاد.

دوائر متابعة لما تشهده إيران من أحداث، ترى أن أقل ما تسعى إليه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من خلال التدخل في الشأن الإيراني «على ضوء إصرار طهران على التصدي للمعسكر الغربي»، هو اكتساب أوراق ضغطٍ إضافية، يمكن أن تعيد إيران مجدداً إلى المفاوضات النووية، وهذا على ما يبدو أمرٌ دونه عقباتٌ شتى، قد تجعل واشنطن تنتقل من عملية الضغط الدبلوماسي والاقتصادي باتجاه التهديد العسكري الذي يُعتقد أن طهران ستواجهه حتماً بمزيد من التصلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن