قضايا وآراء

هزيمة أربعة رؤساء حكومات للكيان

| تحسين حلبي

بدأت قيادة جيش الاحتلال بتحذير أصحاب القرار السياسي في الكيان الإسرائيلي من حرب استنزاف حادة سيواجهها الجيش قريبا في أعقاب تزايد العمليات الفدائية في القدس وجنين ونابلس، وأصبح الوضع يشبه الظروف التي فرضتها المقاومة في الانتفاضة المسلحة في أيلول 2000، وفرضت على قيادة الجيش الاستعداد للقيام بما يشبه الحرب التي شنها رئيس الحكومة بين عامي 2001 – 2005 أريئيل شارون على الضفة الغربية في آذار عام 2002 باسم «الأسوار الدفاعية»، لإيقاف عجلة اتساع العمل الفدائي المسلح.

يسجل التاريخ أن «حرب الأسوار الدفاعية» شكلت هزيمة نكراء لشارون وجيش الاحتلال حتى في عشية بدايتها قبل يومين من 29 آذار 2002 من العام نفسه، حين تمكن الفدائيون من إنجاز عملية مسلحة في مدينة نتانيا قتل فيها من الإسرائيليين ما يزيد على 35 وأصيب أكثر من مئة، فقرر شارون الإسراع بالإعداد للهجوم على معظم قرى ومدن الضفة الغربية واستدعى عشرين ألفا من جنود الاحتياط لحشد خمسين ألفاً في هذه الحرب، وبجميع أسلحته الجوية والبرية من دبابات ومظليين، فتكبد فيها مقتل أكثر من خمسين من الجنود وإصابة المئات، وهذا ما أشار إليه رئيس الأركان أثناء تلك الحرب. شاؤول موفاز في مقابلة أجرتها معه تال ليبكين بمناسبة نشر كتابه عن حرب «الأسوار الدفاعية» قال في المقابلة الموجودة على يوتيوب إن الفلسطينيين في مخيم جنين قتلوا خلال لحظات قليلة تسعة جنود من وحدات النخبة واحتفظوا بثلاث جثث في كمين نصبوه في مخيم جنين، واعترف في المقابلة بأن هذه الحرب جرى رسم خطتها عام 1999 حين تبين أن العمليات المسلحة للفلسطينيين أصبحت تؤدي إلى مقتل 90 من الإسرائيليين سنوياً، ودامت عملية «الأسوار الدفاعية» من 29 آذار حتى شهر أيار 2002، وزعم شارون أنه حسم الحرب نهائياً بعد هذه العمليات المكثفة لاجتياح مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تبين أنه لم يعد قادراً على الاحتفاظ بقوات الاحتلال ولا بالمستوطنين في قطاع غزة فقرر عام 2005 سحب القوات ونزع المستوطنات التي بلغ عددها 22 مستوطنة وتخلى عن احتلال القطاع وهو الذي كان قد أعلن منذ عام 2001 حين تولى رئاسة الحكومة أنه لن ينزع أي مستوطنة، واستخدم عبارة «من ينسحب من مستوطنة نيتساريم في قطاع غزة يصبح وكأنه ينسحب من مدينة تل أبيب»، ثم وجد نفسه في شهر آب 2005 مجبراً على نزع كل مستوطنات قطاع غزة وليس نيتساريم وحدها، وسحب قواته ومواقعه العسكرية وثكناته منه من دون قيد أو شرط، فشكلت هزيمته في قطاع غزة أول عملية تحرير لأرض من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وتحول القطاع إلى قاعدة مقاومة لحشد وتدريب الفدائيين وإلى بنية عسكرية تحتية صاروخية تهدد الكيان الإسرائيلي ومستوطناته ومدنه في كل مكان من فلسطين المحتلة، وربما ليس من المبالغة الاستنتاج بأن سلسلة مظاهر العجز المتتابعة لجيش الاحتلال أمام تصاعد المقاومة الفلسطينية وفرض جبهتي مقاومة داخلها ضد جيش الاحتلال ما بين جبهة قطاع غزة وجبهة الداخل، تدل على زيادة تآكل قدرة الكيان على السيطرة على الأراضي المحتلة وهذا ما قد يدفع جيش الاحتلال إلى التفكير بإعداد عملية عسكرية واسعة على غرار «أسوار الدفاع» التي لم تحقق أهدافها.

يبدو أن الحكومة القديمة الجديدة التي سيشكلها بنيامين نتنياهو قريباً ستواجه ظروفاً لم تستطع حكومة شارون ما بين عامي 2001 و2005 مواجهتها برغم الحرب الأميركية على العراق عام 2003 وانتشار مئات الآلاف من الجنود الأميركيين والأوروبيين في المنطقة، فما بالك حين يجد نتنياهو الآن أن الحرب الأميركية على روسيا في أوكرانيا بدأت تفرض على واشنطن وحلفائها عوامل ضعف وتراجع واضحة في المنطقة بل أمام عجز في مواجهة قوة محور المقاومة المتزايدة وإسنادها لجبهة قطاع غزة وجبهة الانتفاضة المسلحة في الضفة الغربية والقدس، وإذا كان رئيس الحكومة عام 2000 أيهود باراك قد هزمته المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وفرضت عليه الانسحاب من الجنوب ثم هزمت المقاومة الفلسطينية عام 2002 –2005 أريئيل شارون وفرضت عليه الانسحاب ونزع المستوطنات من قطاع غزة، فإنه من الطبيعي الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية ومعها محور المقاومة أصبحا قادرين على تكبيد حكومة نتنياهو– بن غافير هزيمة مقبلة، وهذا ما سيؤكد أن محور المقاومة هزم أربعة رؤساء حكومات إسرائيلية خلال عشرين عاماً منذ عام 2000 حتى عام 2022 هم: باراك عام 2000-2001 وشارون عام 2001 – 2005 وايهود أولميرت عام 2006 –2009 ثم ها هو نتنياهو عام 2022 يسير على درب هزيمته الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن