هل «ستتبرأ» واشنطن من السلوك السعودي؟!
| باسمة حامد
رغم تصريحاته المتناقضة حيال سورية، إلا أن وزير الخارجية الأميركي استبق زيارته الثانية إلى روسيا هذا العام للقاء الرئيس بوتين بالإشارة إلى وجود تحفظات أميركية بشأن مؤتمر الرياض، والتأكيد على أن بعض المسائل المتعلقة بالتسوية السورية «قابلة للحل».
فالمشكلة أن نظام الـسعود يريد الاستيلاء على مهام الأمم المتحدة كطرف مسؤول (بالتوافق الدولي) عن تحديد المعارضة والجماعات الإرهابية، ويتحدى المواقف الدولية الراهنة باصطناع العقبات أمام الحل السياسي في محاولة لحرف مسار اتفاقات فيينا عن السكة الصحيحة و«خربطة» خريطة الطريق المتفق عليها بين واشنطن وموسكو.
والمثير للاستفزاز تجاهله التام لضرورة محاربة الظواهر الخطيرة التي باتت تشكل تهديداً للأمن العالمي، وسعيه «لتبييض» صورة الإرهابيين وإظهارهم كمعارضة «معتدلة» في وقت تُنجز فيه مصالحات وطنية كبرى وإنجازات ميدانية مهمة. فالحضور الروسي ساهم مباشرة بفرز القوات المقاتلة على الأرض وتوحيد جهود من يحارب الإرهاب، ووفق إعلان الرئيس بوتين فإن قرابة خمسة آلاف شخص مما يسمى (الجيش الحر) يهاجمون مواقع الإرهابيين إلى جانب الجيش العربي السوري في محافظات حمص وحماة وحلب والرقة وهؤلاء يتلقون الدعم الروسي من الجو وتُقدم لهم المساعدة من السلاح والذخائر عبر الجهات الرسمية.
والحقيقة، أن هذا النظام تجاوز حدوده بمزاحمته للأردن في العملية المطلوبة منه:(تنسيق القوائم للتفريق بين المعارضة الوطنية والتنظيمات الإرهابية لتهيئة الظروف الملائمة أمام إطلاق مفاوضات سورية – سورية برعاية أممية)، ولقد سمح لنفسه تقرير مستقبل سورية عبر احتكار الطرف المفاوض وحصره بالمعارضات الفندقية والمسلحة، ومع أن الأولوية الأهم لديه أكل الدهر (ومعه الغرب) عليها وشرب:(رحيل الأسد)، إلا أنه أصر على التغريد خارج السرب وتفسير ما اتُفق عليه مسبقاً على هواه!!
وفي هذا الإطار، ثمة خطوط حمراء أصبحت تشكل «مسائل مغلقة» بالنسبة لروسيا وإيران كونها ترتبط بأمن المنطقة، وربما تكون كذلك لدى الغرب الباحث عن «قوات برية» للقضاء على «داعش» لتطويق هذه الآفة وهي على مرمى حجر من أوروبا، فمصير الرئيس متروك للشعب السوري، والحديث يدور فقط عن إطلاق حوار وطني موسع وعملية دستورية، وعملياً لا وجود لفكرة «الفترة الانتقالية» إلا في:»أذهان من لا يعيشون على أرض الواقع» ومنهم أنظمة السعودية وقطر وتركيا، ومعظم دول العالم الآن مقتنعة بأن الاستمرار بطرح صيغة «التنحي والرحيل» سيساهم بتمدد الإرهاب وتجذره لا محالة.
وفي ظل هذا المشهد، ربما تعكس زيارة جون كيري لروسيا (بعد إعلانها رفض حضور اجتماع نيويورك حول سورية) سعياً أميركياً لتصويب ما أفسده السلوك السعودي من أمور تستوجب وضعها في سياقها الصحيح. وهذا التصويب سيتطلب من واشنطن نفض يديها من أخطاء الأدوات والحلفاء، بمعنى تركهم يتحملون تبعات فشلهم بالملف السوري، فالثابت أنها تلعب دائماً اللعبة المزدوجة: تدعم المتطرفين وتتستر عليهم ثم تدعي محاربتهم، وتدفع أردوغان الى ارتكاب الحماقات لكنها تتخلى عنه في حلم المنطقة العازلة وتتركه يغرق في ورطاته مع روسيا والعراق!!
وبالطريقة ذاتها يبدو أنها ستتبرأ من تصرفات النظام السعودي في مرحلة تشهد تحولات وتغيرات وتطبيعاً إعلامياً وأمنياً وسياسياً غير مسبوق مع دمشق كجهة منفتحة ومستعدة لكل أشكال التعاون في الحرب الدائرة ضد الإرهاب حال تلقيها أي طلب بهذا الشأن، وتشهد بالوقت نفسه انتقادات غربية واسعة للسياسات السعودية وفكرها الوهابي باعتباره المنبع الأصلي «لداعش» و«القاعدة» و«النصرة» وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي تخطط لتمتد خلافتها المزعومة «من البرتغال إلى باكستان»!!