من دفتر الوطن

اختفاء!

| عصام داري

(1)

لفت انتباهي اسم مسلسل مصري هو (اختفاء) لم أتابعه ولا أعرف موضوعه إلا أن الاسم بحد ذاته أوحى لي بكتابة هذه الزاوية.

سألت نفسي، وأسأل من يقرأ حروفي هذه: ألا نتمنى أن يختفي شخص ما أو مجموعة أشخاص أو مسؤول من حياتنا إلى الأبد، ليس بالموت لا سمح اللـه فنحن لسنا أشراراً كغيرنا!، وإنما بالانزواء والتقوقع على نفسه أو بالسفر والرحيل والهجرة أو بالتقاعد أو بالإعفاء من منصبه لأن الاستقالة من المستحيلات المعروفة؟.

وفي حال تم الاحتفاء لأي سبب من الأسباب فهل نكون ساهمنا بشكل غير مباشر من خلال دعائنا أو أمنياتنا باختفاء هذا الشخص أو ذاك؟.

(2)

يحدثنا الكاتب الإنكليزي كولن ويلسون في كتابه (الإنسان وقواه الخفية) أنه كان يقيم في مدينة بعيداً عن العاصمة البريطانية لندن في منزل مريح وجميل وكان في تلك الفترة في غاية السعادة والبهجة حتى طلب منه صاحب المنزل إخلاءه لأن ابنه سيتزوج فيه -كما يحدث عندنا غالباً- ما أصابه بالحزن والكآبة بل والغضب، فغادر المدينة بعد أن سلم المنزل لصاحبه طبعاً.

في منتصف طريق العودة إلى لندن وفي قمة انزعاجه وغضبه تمنى أن يختفي صاحب المنزل من الحياة، لكنه في الوقت نفسه شعر بالخوف من الفكرة نفسها، حينها نظر إلى ساعته فوجدها تشير إلى الساعة الثالثة ونصف وخمس دقائق، ومن ثم تابع طريقه.

عندما وصل إلى لندن أجرى اتصالاً مستعجلاً مع صاحب البيت فرد في الطرف الآخر ابنه -أي المفترض أنه العريس- فسأله عن أبيه فقال باكياً: لقد مات!.

كانت المفاجأة صاعقة بالنسبة للكاتب، لكنها كانت أكثر من صاعقة عندما علم أن صاحب البيت مات في الساعة الثالثة والنصف وخمس دقائق، أي في اللحظة نفسها التي تمنى له فيها الاختفاء والموت!.

سأل نفسه: هل أسهمت أنا في موت الرجل، وهل أعتبر مجرماً؟!.

(3)

قال لي صديق مذهولاً: لقد حدث معي شيء مشابه، بل ربما متطابق حرفياً إذ تعرضت للتنمر كثيراً، لكن أكثر مرة شعرت بالقهر كانت عندما قدم صديق قديم للسلطات المختصة معلومات كاذبة عني من شأنها أن تلقيني في السجن وذلك بسبب خلاف، وحين علمت بالأمر من تلك الجهات نفسها حقدت عليه جداً وتمنيت أن يختفي، وبعد أشهر قليلة مات الرجل فعلاً وكان في ريعان الشباب!

تابع صديقي بعد دقيقة صمت: فعلاً الأعمار بيد اللـه لكنني لم أعف نفسي من المسؤولية، وأشعر أنني مجرم!.

قلت لصديقي: أتعهد لك أنني لن أزعجك أو أسبب لكم أي ضيق ما دمت حياً!

(4)

أخيراً.. هل تمنيتم أن يختفي شخص أو أشخاص من حياتكم مرة وإلى الأبد، وليس بالموت حتماً، فأعود وأكرر: نحن وأنتم لسنا شريرين بطبعنا، فالجانب الخير في نفوسنا يغلب على الجانب الشرير، لكن من الضروري ذلك الاختفاء الذي نطلبه لمجرد شعورنا بأن اللـه أنصفنا وأن هناك من انتقم لنا من دون تدخل مباشر منا، المهم أن يحدث الاختفاء وتزول آثار من سبب لنا القهر والظلم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن