ثقافة وفن

الجنيبي ما بين الذات والذات يبني خيمته الشعرية

| إسماعيل مروة

بين الهوى وجناحه، صور مشرقة مجنحة للشاعر الدكتور طلال سعيد الجنيبني في ديوانه الحديث صدوراً (لولاه) عام 2022م وهذا الديوان تجربة للأكاديمي المعروف الذي كان الشعر محطة بهية من محطات حياته الإبداعية، وفي هذا الديوان يقدم الشاعر قصيدة ضاجة بالموسيقا والأصالة التي عرفت طريق الشعر الأصيل، واستلهمت مراقي الإبداع لغة وصورة.

بين الأنا والأنا

تتميز مجموعة (لولاه) بأن قصائد الشاعر تتجه إلى الغزل تارة، وإلى الفكرة مرة، وإلى التأمل حيناً، وإلى الترقب والغد، وأشياء كثيرة، فشكلت المجموعة حواراً حاراً بين الأنا والأنا، أنا الشاعر التائقة إلى الحب والتأمل والحياة، وقد تلتقي أناه بأناه الأخرى في متسع من القافية فيقول:

كانت تناور في ثنايا الذاكرةْ
وتقول للأشياء روحي حاضرةْ
وتقود معركة الحنين وما دعت
لغة السلاح ولا قواه الكاسرةْ
ضاعت حكايتنا التي ما عشتها
بل تهت في أجزائها المتناثرةْ

ففي النص المفتاحي هذا نجد الشاعر مع أناه الأخرى، ويمارس لعبة الشعر في الإيهام بوقوع الأمر من عدم وقوعه، لكن أشلاءه المتناثرة تؤكد أنه تاه لأنه عاش، وعاش لإيمانه، وإيمانه جعله يهب الذات ليصبح أجزاء متناثرة، ولتبقى الروح حاضرة بأقوى صورها في التفاصيل ويتجلى هذا الإيهام في أوضح صوره في (ريق الحنين) حيث يتماوج النص الشعري بين التصريح والتلميح، ويحاول أن يعهد شيئاً للأمنيات، ولكن حواره الشفاف مع الأنا وما وصلت إليه يظهر بغتة ليقول ما لم يكن ليظهر لولاه:

نلتقي ما صاغ أسرار الحياة
نلتقي ما لا يُرى في العالمين
كلما استغفرت من لمس السمات
سال عطر الشوق من ريق الحنين

وفي أحد النصوص الجميلة يطرح الشاعر مفارقة تتعلق بما يعني الأنا من الآخر:

هي هكذا الأشياء
تصبحنا فتتركنا
فلا تبقى لنا
إلا مواجهة على حد النصال

وتبلغ الأنا في الآخر في الديوان في قصيدته (سألتك عني):

تقولين أني سألتك عني
أما تعلمين بأنك مني
وأنك تدرين عني كأني
أخاطب روحي وروحي تغني
تعجبت لما سألتك عني
فذاك لأنك قد صرت مني
وأنك تدرين عني كأني
تحدث روحي روحي عني

هناك دوافع إنسانية وبيئية وذاتية تدفع أي شاعر للاختباء وراء أناه الظاهرة وحجب أناه التي يضين بها، من أي نوع كانت هذه الأنا وأهيم بعد لقائنا:

المنثال من أمل الرجوع
لألوذ بالطيف الذي
ولج المنام
ليقطع الخيط الرفيع

أناقة التصوير:

إن الدّماثة التي يحملها الشاعر الدكتور طلال تنبيك عن فكره، وابتسامته وتواضعه يشيان بأناقة مفرطة، وهذا ما يتجلى أناقة في صورته الشعرية التي يصنعها على هوى القارئ والسامع وعلى مقاس روح الإنسان الشفافة:

حينما أحضنها من ظهرها
تلتقيني بين روحي ويدي
فالتصاق الجسم يخفي رغبة
مثل أمس يشتهي فجر غد
ثم يسري الدفء في أركانها
بين أشواق العناق المهتدي
حينها تغفو كطفل وادع
ظهره للصدر أضحى يرتدي

(لولاه) مجموعة شعرية أصيلة لشاعر منتمٍ أصيل، تحمل الكثير من روح الشعر العربي القديم والأصيل، وفيها روح تجديدية في الشكل والمضمون والأبحر والمقطعات، اعتمد الشاعر في قصائده على اللقطة المدهشة، ولم يكترث لطول القصيدة قدر اعتنائه بما تقوله، حتى في الموضوعات الآنية، فنجده يستغل أزمة كورونا ليتحدث عن الجهل ويفضحه، ويتحدث عن كوفيد وما فعله، ويأخذ من الزهايمر صفاته ليسبغها على حالة عشقية… في غمرة الشعر الذي لا يحمل هوية جاءت هذه المجموعة لترسم نهجاً يستحق القراءة والاهتمام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن