عن أي معارضة يتحدثون!
| بيروت – محمد عبيد
لا تَمَلُ الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها في المنطقة من ابتداع المحاولات للالتفاف على نتائج الاجتماعات الدولية المعنية بحل الأزمة في سورية وتحريفها.
فبعد مؤتمري جنيف تولت تركيا المهمة عبر السعي لتجميع من يسمون أنفسهم «معارضة» ونصبت على رأسهم «إخوانياً» ظناً منها أن إحاطتها بهذه المجموعات وتوظيفها سياسياً في خدمة مشروعها السلطاني سيُمَكِنُها من تأمين الغطاء السوري المفترض للمنطقة العازلة في الشمال السوري وعلى امتداد حدودها المشتركة مع سورية، واعتقاداً منها أيضاً أن واشنطن وحلفاء أنقرة في الحلف الأطلسي «الناتو» سيتلقفون الفرصة ويقرون حماية جوية لهذه المنطقة تضع المدماك الأول لمشروع تقسيم سورية ثم تقاسمها جغرافياً وطائفياً ومذهبياً. لم تصمد هذه التركيبة الهجينة طويلاً بعد عدم قدرة المخابرات التركية على إنجاز منطقة عسكرية وأمنية صافية وبعد سقوط نظام «الإخوان المسلمون» في مصر والأهم دخول النظام السعودي المباشر على خط السعي لجذب بقايا ما سُمي «المجلس الوطني» وإضافة بضعة أزلام لهذا النظام إلى تلك التركيبة.
وبعد اجتماعي فيينا، لم ينتظر النظام السعودي طويلاً فحاول اقتناص فرصة الرغبة الدولية واستعداد القيادة السورية إلى فتح حوار مع أطراف معارضةٍ على أن يتم لاحقاً ووفق آلية واضحة ووطنية تحديد ماهيتها وأسمائها، وسارع إلى تجميع بعض الأشخاص والأحزاب الخارجية والتنظيمات الإرهابية في الرياض بهدف تكريسها كمرجعية أساسية لأي مكون يمكن أن يفاوض القيادة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر في المرحلة المقبلة بعد تحريف نتائج هذين الاجتماعين.
يبدو أن النظام السعودي لم يتعظ من التجربة التركية الفاشلة ولم يستوعب تداعياتها لجهة ضمور الدور السياسي لأنقرة كطرف إقليمي يمكنه أن يكون شريكاً في صياغة حل للأزمة في سورية، ولم يأخذ بالحسبان المشاركة المستجدة لإيران كطرف إقليمي أساسي وحليف لدمشق في اجتماعات فيينا كما لم يأخذ بالحسبان تبدل الموقع الروسي على الطاولة من مرجعية دولية داعمة سياسياً للحكومة السورية أيام مؤتمري جنيف إلى شريك عسكري فاعل للجيش العربي السوري وحلفائه في قتالهم ضد الإرهاب ومموليه ومشغليه.
تُظهِر الوقائع أن المسافات مازالت متباعدة حول تحديد المفاهيم وتوحيدها التي يمكن أن تشكل أرضية للبناء عليها في حال الانتقال إلى المسار السياسي المفترض وفق معطيات فيينا ومساعي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وفريق عمله. فالفرق شاسع بين ارتكاز هذا المسار إلى مفهوم المرحلة الانتقالية باعتباره خلفية سياسية ثابتة تحكم مقاربة بعض القوى الدولية والإقليمية للأزمة وبين ما تعتقده القيادة السورية بجزم أن الحوار يجب أن يُفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم معارضين وطنيين يؤمنون بالدولة وبالإصلاح البناء من داخل المؤسسات وليس تدميرها وعدم القدرة على إعادة تكوينها، والتفاهم مستحيل بين من يرى في بعض المنظمات المسلحة شريكاً محتملاً في إعادة صياغة مستقبل سورية وبين القيادة السورية التي تعتبر كل من يحمل السلاح خارج مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية إرهابياً أو مسلحاً مأجوراً أو مُضللاً يمكن العفو عنه إن لم تلوث يداه بدماء السوريين، والتلاقي صعب بين من يظن أن بإمكانه حصد نتائج سياسية من حوارٍ تعويضاً عن إخفاق عسكري وبين القيادة السورية التي تؤمن أن صمود الدولة والجيش والشعب أسقط كل محاولات تغيير هوية سورية القومية باعتبارها دولة حديثة جامعة وتغيير موقعها الإستراتيجي في مواجهة العدو الإسرائيلي والمشاريع الأميركية وبأن هذه الهوية وذلك الموقع هما سبب الهجمة الأميركية والسعودية والتركية والقطرية عليها.
قد يصعب تحديد بداية عملية وتوقيت جدي لإطلاق ما يسمى المسار السياسي ما دامت واشنطن لم تجرؤ حتى الآن على إجبار أنقرة على إغلاق حدودها نهائياً مع سورية وما دامت لم تبادر إلى الحد الفعلي من الصلف السعودي الذي استفز وزير خارجيتها جون كيري حين طالب وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير في اجتماع فيينا الأخير بالتوقف عن مهاجمة إيران بأسلوب خالٍ من الرقي في التخاطب والدبلوماسية، وحين تقتنع أيضاً واشنطن أن الحل العملي للأزمة في سورية يكمن في ضرورة التفاهم مع دمشق وحلفائها في طهران وموسكو على توصيف المعارضة وتسمية أصحاب هذا التوصيف وليس الاتفاق مسبقاً على استبعاد المنظمات الإرهابية الموصوفة واعتبار كل الآخرين معارضين وإن كانوا مسلحين.