عاد مؤلف كتاب «الجوع صفر» إلى سلطة الرئاسة في البرازيل متحدياً بذلك الولايات المتحدة الأميركية في واحدة من أهم دول أميركا اللاتينية وأكبرها حيث تصل مساحتها إلى 8 ملايين كم2، وعدد سكانها إلى 200 مليون.
قبل ثلاث سنوات خرج لويس أوناسيو لولا دي سيلفا من السجن ليبدأ السعي من أجل الوصول إلى القصر الجمهوري مرة أخرى، حكم دي سيلفا البرازيل رئيساً بين 2003-2011 بواقع دورتين، حيث استطاع، بدعم من حزب العمال الذي يترأسه، خوض معركة قاسية على جبهتين: مواجهة الفقر والركود في الداخل ومواجهة النفوذ الأميركي المتمثل في نشاط صندوق النقد الدولي في الخارج.
ظنه أنصاره حالماً، وهو الفقير الذي كان ماسحاً للأحذية في شوارع ساوباولو، خاف منه الفقراء والأغنياء على حد سواء، الفقراء ظنوا أن فقره في شبابه سيدفعه لكي يستحوذ على الأموال عن طريق الفساد والسرقة، والأغنياء ظنوا أن فقره وكرهه لهم سيقضي على مصالحهم.
عندما استلم دي سيلفا السلطة كان الاقتصاد البرازيلي منهاراً تماماً، ووصل تدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى فرض تعديلات على دستور البرازيل أدت إلى تجويع الملايين وازدياد فقرهم، وذلك وفق استراتيجية هذه البيوت المالية المعروفة، والجميع يعلم أنهم لا يقرضون أي دولة إلا إذا ألغت الإعانات التي تقدمها للفقراء ودعمت أصحاب رؤوس الأموال.
رفع دي سيلفا شعارين، الأول: التقشف لا يعني حرمان الناس وإنما تخلي الدولة عن كثير من مصاريف الرفاهية بغية دعم الفقراء، والثاني: صندوق النقد الدولي لا ينجح إلا في تدمير البلدان، وانطلاقاً من هذا تبنى الرئيس سياسة تدعم الفقراء وتعزز الاستثمار في الوقت نفسه. في فترة رئاسته الأولى التي امتدت لأربع سنوات، فسدد كل مديونية البرازيل لصندوق النقد الدولي، حيث أعلن في مؤتمر حزبه عام 2008 أن هذا الصندوق خرج من البرازيل نهائياً.
اليوم استعادت البرازيل رئيسها وخسرت الولايات أتباعها، ومن الواضح أن مؤسس نظرية سيطرة الولايات المتحدة على أميركا الجنوبية تلقى صدمة في قبره، إنه الرئيس الأميركي جيمس مونرو في بداية القرن التاسع عشر والذي حكم من 1817 إلى 1825.
ومن الواضح أن رقعة النفوذ الأميركي في أميركا الجنوبية تتقلص، ربما باتجاه الصفر، حيث أصبحت أهم الدول خارج هذا النفوذ، ومعسكر «الناجين» يزداد، من كوبا حتى فنزويلا وكولومبيا ونيكاراغوا والإكوادور وصولاً إلى البرازيل، ولم يبق من الكبار الجنوبيين سوى المكسيك والأرجنتين وإلى حد ما تشيلي.