إسماعيل حسني ابن جيل الرواد الأول وشريك نهضة الفن التشكيلي في حلب … دوره أعطاه لقب شيخ عشيرة الفنانين التشكيليين والفن والجمال … الوظيفة نقلته من الأرياف إلى المدينة حاضنة الفن التشكيلي
| سعد القاسم
تمت الإشارة غير مرة إلى أن مؤرخي الفن التشكيلي السوري قد أطلقوا على مجمل التجارب التي بدأت تُعرض للجمهور مع مطالع القرن العشرين تسمية (الفن التشكيلي السوري الحديث)، واعتمد أكثرهم وجهة نظر الناقد الراحل طارق الشريف الذي تحدث عن جيلي الريادة والحداثة. وسبق أن أشرت هنا إلى أني مع كل التقدير الذي أحمله لطارق الشريف وإنجازه، أفضل إضافة وصف جيل الرواد الثاني، إلى جيل الحداثة، حيث إن هناك ضرورة للحديث عن جيل ثانٍ من الرواد، من أجل دقة التوصيف من جهة، ومن أجل تأكيد أهمية الدور الكبير الذي أداه فنانو الجيل الأول، وما تركوا من إرث فني يستحق التقدير، من جهة ثانية.
الجيل والظروف الصعبة
وهذا الوصف الإضافي يحدد دور الجيل الثاني من جهة، وينصف الجيل الأول من جهة أخرى، فلا يجعل الثاني انفصالاً عنه، وإنما استمرار له. ففي موجة الابتهاج بالحداثة يغيب أحياناً الحديث المنصف عن جيل الرواد، الذي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي أحاطت بهم، وشجاعتهم في مواجهتها، وكذلك أيضاً العمق الفكري والثقافي الذي تستند إليه (مغامرتهم التشكيلية) وهو ما يمكن التعرف إليه عن كثب من الدراسة العميقة للسير الحياتية والإبداعية لتوفيق طارق ومنيب النقشبندي وغالب سالم وعبد الوهاب أبو السعود وسعيد تحسين ورشاد مصطفى وميشيل كرشة وخالد معاذ ورشاد قصيباتي ووهبي الحريري وإسماعيل حسني وسواهم.
تقسيم الفن التشكيلي السوري إلى أجيال دعت إليه ضرورة البحث المنهجي. ومع ذلك فإن الفصل التام بين أجيال الرواد الأول والثاني (الحداثة) والثالث (المعاصرون) غير ممكن، حتى لو اعتمدنا المقياس الزمني. ويبدو نصير شورى 1920، نقطة تواصل بين جيلي الرواد، أو بين جيل الرواد وجيل الحداثة. وهو أحد فنانين رائدين ولدا في ذلك العام، أما الثاني فهو إسماعيل حسني الذي كان له دور كبير في نهضة الفن التشكيلي في حلب، وكان مدرساً لعدد من كبار فنانيها ونقادها أمثال: إحسان عنتابي، وأسعد المدرس، ووحيد مغاربة وعبد الرحمن مؤقت، وصلاح الدين محمد، وعلي السرميني، وسعود غنايمي، ومحمود مكي، وعبد القادر منافيخي، وعبد القادر بساطه، ووليد كموش، وعبد الرحمن مهنا.
حلب والفن التشكيلي
كان الحال في مدينة حلب مختلفاً قليلاً عما كان عليه في دمشق، فقد شهدت حلب منذ نهاية القرن السابع عشر وخلال القرن التاسع عشر قدوم عدد من الفنانين المستشرقين، الذين قاموا بتصوير معالمها التاريخية، ومشاهد الحياة اليومية في أسواقها وأزقتها، فكان هؤلاء الفنانون نافذة أطل منها الحلبيون على فن التصوير الغربي، وتتلمذ على أيديهم بعض المصورين الحلبيين أمثال نديم بخاش ومنيب النقشبندي. وحين تأسـس المكتب السلطاني (ثانوية المأمون) في حلب مطلع القرن العشرين، عُيّن منيب النقشبندي أول مدرس للفنون فيها، وكان من تلاميذه غالب سالم ووهبي الحريري (تحدثنا عنهما في حلقتين سابقتين) وإسماعيل حسني وقد تابعوا دراستهم الفنية في أكاديمية الفنون الجميلة في روما، وساهموا في تأسيس الحركة الفنية المعاصرة في حلب.
إسماعيل حسني وتفتح الفن
ولد إسماعيل حسني في رأس العين التابعة لمدينة دير الزور لأسرة ريفية (وتذكر بعض المصادر أنه ولد في مدينة الميادين)، وبحكم عمل أبيه كموظف في الدولة انتقل مع أسرته إلى مدينة حلب، ولما يتم بضعة أشهر من عمره، وقدم له هذا الانتقال من بلدة ريفية صغيرة إلى حاضرة كبيرة مثل حلب، فرصة تحديد مسار حياته، حيث بدأت موهبته في الرسم بالتفتح وهو في المدرسة الابتدائية، ووقف الحظ إلى جانبه مرة ثانية حين كان أستاذه في المرحلة الثانوية الفنان الرائد منيب النقشبندي فتعلم منه أصول الفن التشكيلي، إلى جانب اهتمامات إبداعية متنوعة أزهرت في الأعوام التالية في القصة، والنقد، والبحث التاريخي الفني، والمسرح. فنشر عام 1938 مجموعة قصصية من ضمنها قصة (عابر سبيل) التي تحولت عام 1950 إلى فيلم سينمائي غنائي بالاسم ذاته، وكان ثاني فيلم سوري ناطق بعد فيلم (نور وظلام) الذي أنتجه نزيه الشهبندر عام 1947، وقام بإخراج فيلم (عابر سبيل) أحمد عرفان إثر تأسيس أول شركة إنتاج سينمائي في مدينة حلب باسم (عرفان وجالق)، وهو فيلم غنائي قام ببطولته نجيب السراج وهيام صلاح وسلوى الخوري.
وللكتابة طريق
في عام 1940 عُيّن موظفاً في مقام البوكمال فاتجه للكتابة وتأليف النصوص المسرحية إلى جانب التصوير، ثم انتقل لتدريس الرسم في دير الزور فأسس فيها عام 1943 نادياً فنياً ثقافياً ثم نادي (ابن خلدون) وأول فرقة مسرحية في المدينة أطلق عليها اسم (المسرح الطليعي) قدم معها عدة مسرحيات منها مسرحية (أبو عبد الله الصغير) أو (سقوط غرناطة)، وكان يكتب المسرحيات ويمثل فيها ويخرجها كما ترجم عدة مسرحيات أجنبية.
في عام1952 أوفدته بلدية حلب إلى روما لدراسة الفن حيث التقى هناك فتحي محمد وأدهم إسماعيل ووحيد إستنبولي. وعمل في العام التالي كمذيع في القسم العربي للإذاعة الإيطالية، ثم تخرج عام 1956 من قسم الزخرفة. ونال في الوقت ذاته إجازة في الإخراج المسرحي من أكاديمية المسرح الحر في روما. وإثر عودته من روما قام بتدريس الفنون في مدارس دير الزور وحلب وفي كلية العمارة في حلب. ونشر نصوصاً عن الفن التشكيلي في مجلة الجندي، ومجلة المكشوف، وإذاعة حلب. وصمم الديكور لعدة مسرحيات. كما شارك في المعرض السنوي منذ عام 1957، إضافة إلى معارض فردية في حمص والجزائر وإيطاليا وإسبانيا، وآخر معرض شارك فيه كان معرض (تحية إلى الفنان لؤي كيالي) في حلب عام 1980 قبيل وفاته في العام ذاته.
وللفنانين مهمة
في صيف عام 1961 أقامت صالة الفن الحديث بإدارة الأخوين دعدوش مسابقة لانتخاب (ملهمة الفنانين) فازت بنتيجتها الآنسة هالة الميداني باللقب. ومن ثم قام 48 فناناً برسمها في دمشق وحلب كان منهم إسماعيل حسني، الذي نملك صورة له أثناء الرسم، وصورة غير دقيقة للوجهية (البورتريه) التي صورها والتي تشير إلى أسلوبه الواقعي الحديث، والأوضح منها وجهية لرجل غير مؤرخة (قد يكون الأديب وليد إخلاصي). وهناك لوحة بعنوان (أمومة) منشورة بالأبيض والأسود تعود لعام 1957 أو لعام 1959 بخطوط مختزلة وأسلوب تجريدي. ولوحة تجريدية بعنوان (منظر) نشرها د. عبد العزيز علون في كتابه (منعطف الستينيات في تاريخ الفنون الجميلة المعاصرة في سورية). وتتحدث بعض النصوص عن وجهية (ربما هي المنشورة هنا) رسمها للأديب وليد إخلاصي، بعد أن استوحى الأخير شخصية إسماعيل حسني في إحدى أعماله الأدبية، غير أن وليد هو من وصف إسماعيل حسني بأنه (شيخ عشيرة الفنانين) تعبيراً عن دوره في مجال التدريس لمادة الفنون وتاريخ الفن وعلم الجمال، سواء في المدارس الثانوية أو كلية العمارة أو مركز الفنون التشكيلية الذي حمل اسم صديقه الراحل فتحي محمد. وتولى إدارته منذ تأسيسه عام 1960، وحتى عام 1965. وقد تجلى التفاف الفنانين الشباب حوله، وتقديرهم له بانتخابه مطلع السبعينيات رئيساً لفرع نقابة الفنون الجميلة في حلب.